هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

503: لا تُـمَـنّـنوا جيش لبنان

السبت 30 حزيران 2007
– 503 –
تَحية إلى قائد جيش لبنان العماد ميشال سليمان على اعتذاره عن قبول الهبة المقتطعة (5 في المئة للموظفين و7 في المئة لموظفي مجلس النواب) من رواتبهم، شعوراً منه بضائقة مالية لا يريد القائد زيادتها على الناس باقتطاع نسبة منها دعماً للجيش.
وتَحية إليه كذلك على قيادته عمليات جيشنا الرائع البطل الذي يسجّل ما لم يسجّله من قبل بسبب فرملة سياسية كانت تتحكم بالقرار السياسي، وانفضح اليوم أنها كانت مغرضة ومسيئة وشخصية وشخصانية واستزلامية وعميلية، فها جيشنا الحبيب راح إلى الجنوب، وها هو راح إلى الشمال، ويقوم بعملياتٍ يسقط فيها شهداء وجرحى، لا هو انقسَم ولا هو تراجَع.
والدعم الشعبي الذي يلقاه جيشنا اليوم من كل شبر في لبنان وكل دسكرة وكل طائفة وكل مذهب، إجماع لبناني رائع من لبنان المقيم ومن لبنان الانتشار في العالم، يدل على أن الجيش خلاصنا الوحيد، وأنّ بندقيتَه فضيحةُ سياسيي لبنان.
السياسيون؟ نعم. ماذا فعل هؤلاء؟ اقترح الوزراء اقتطاع نسبة 10 في المئة من رواتبهم (لشهر واحد فقط لا غير)، والنواب اقترحوا اقتطاع 15 في المئة من مُخصَّصاتهم – لا من رواتبهم الشهرية بل من مُخصّصات مرصودة لكل واحد منهم كي يصرفها على إنماء منطقته – (ولشهر واحد فقط لا غير)، دعماً، قال، للجيش اللبناني.
أهذا هو دعمُكم يا سادة؟ 10 في المئة و15 في المئة و”لشهر واحد فقط لا غير”؟ هل هذا دعم؟ أم تَمنين ورفع عتب؟
وهذا الاقتطاع الكاريكاتوري (و”لشهر واحد فقط لا غير”) ما حصيلته الرقمية؟ وماذا يشتري لجيش لبنان؟
“لشهر واحد فقط لا غير”، يا سادة، يا حضرة السياسيين، والفقير بينكم مليونير؟ أهكذا تدعمون جيش لبنان، جيش دولتكم التي تأكلون من خيراتها، وتصرفون من مالها، وتَبْنون مستقبل أولادكم من خزانتها، وتُربُّون أزلامكم ومَحاسيبكم من مُخصصاتها لكم، وجيشُها يدافع عنكم وعن أمنكم وسلامتكم “الغالية” وعن مصروفكم ومستقبل أولادكم وتربية أزلامكم ومَحاسيبكم؟ “لشهر واحد فقط لا غير”؟ ألا تَستَحُون؟ أهذا ما “طلع من خاطركم” لدعم جيشنا الرائع الحبيب الغالي؟
ليس المهم كم هو المبلغ الذي سيتجمّع من هذا “الاقتطاع الكاريكاتوري” (وأعتذر من أخي وصديقي بيار صادق على استخدامي هنا كلمة “كاريكاتوري” لأنني لم أجد سواها للتعبير عن السخرية والسخط والقرف والغضب، وكاريكاتورُه أصلاً تعبير عن كل هذا ويثير البسمة من قلب الوجع أحياناً ومن قلب السخط والقرف). المهم أن البادرة في ذاتها تثير اللعنة والغضب.
يا سادة، يا سياسيي لبنان، خُذُوا هذا الخبر (قرأناه في “النهار” قبل أيام): “قرّر الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله وأعضاء الحكومة خفْض مُخصَّصاتهم بنسبة 25 في المئة بسبب تراجع العائدات النفطية في 2007، وبسبب الفوارق الكبيرة بين مُخصَّصاتهم ورواتب الموظفين الآخرين. وجاء إجراء التقشف هذا بعد إعلان الحكومة الموريتانية عجزاً في الموازنة ناجماً عن انخفاض العائدات النفطية”. فهلاّ اتَّعظتُم من موريتانيا يا سادة، يا سياسيي لبنان؟ الموريتانيون لم يُخَفِّضوا رواتبهم “لشهر واحد فقط لا غير” كما اقترحتُم، بل خفَّضوا ربع رواتبهم “على طول” لدعم اقتصاد البلاد. فهل واحد منكم – واحد فقط – مستعدّ لتخفيض راتبه الوزاري أو النيابي 25 في المئة “على طول” لدعم اقتصاد لبنان الذي تتنعَّمون في ازدهاره، ولا تشاركون في معالجة ضعفه وهزاله، أو لدعم جيش لبنان الذي، إذا تضافرتم وخفَّضتم ربع رواتبكم (“على طول” ولن يهتزَّ لكم جفن لأن ثرواتكم، من غير شرّ، لا يُحصيها مُحاسب) تُسهمون في دعم اقتصاد لبنان الذي، عند انتعاشه، هو يدعم من ميزانية الدولة جيش لبنان؟ وهل واحد من نواب سابقين لا يزالون يتقاضون رواتب وتعويضات (ظاهرة فريدة في العالم عجيبة غريبة !) افتكر في أن يقدِّم شهراً واحداً من معاشه (وهو لم يعد نائباً) لمساعدة عائلة شهيد واحدٍ من جيش لبنان؟
شكراً لكم. على الأقل اخجلوا ولا تُمنِّنوا جيشنا باقتطاع كاريكاتوري.