هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

377: أذهب إلى بيتي بالقطار المعلّق

السبت 16 تشرين الأول 2004
جزيرة روزفلت- مانهاتن- نيويورك – 7 7 3 –
“هل تحبُّ أن نصحبَك معنا أم سيارتُك معك”؟ سألتُ نقولا شويري ونحن نهمُّ بالخروج من المطعم الإيطالي في مانهاتن، فأجابني نقولا: “شكراً. أنا أذهب الى بيتي بالتلفريك، ومحطته هنا قريبة على زاوية الشارع 59 والجادة الثانية”.
“بالتلفريك”؟ استفسرتُ من نقولا مستغرباً، فَأكَّد: “نعم. بالقطار المعلّق. فأنا أسكن هنا في جزيرة روزفلت، قبالة مانهاتن وسط النهر الشرقي”. وأشار الى قطعة من الأرض كأنها مركب كبير جاثمٌ في سرير النهر. فحفزني الأمر أن أستفزّه كي يدعوني الى زيارته وبلوغ بيته بالتلفريك. وبالفعل، غروب اليوم التالي، والشمس تنسحب عن رؤوس أبنية مانهاتن العملاقة، كنا نتمشى، مروراً بالكاتدرائية العملاقة العتيقة، في الشارع الوحيد الممتد بطول تلك المدينة العائمة “كاملة الأوصاف” كأية مدينةٍ مستقلّة البريد والبوليس والكهرباء وخدمات الحي السكني الوحيد المتعدد جنسيات سكّانه.
ويشرح لي نقولا عن الجزيرة: “طولها أكثر قليلاً من 3 كلم. مساحتها 59 كلم مربّع. سكانها 9520 نسمة. اشتراها الحاكم الألماني فان تويلر من الهنود عام 1637، ثم انتصر الإنكليز على الألمان عام 1666 فآلت الجزيرة الى الكابتن جون ماننغ ثم اشتراها صهره روبرت بلاكْويل عام 1686 وأورثها أحفاده فاحتفظوا بها 235 عاماً. وحين اشترتها جمعية الجزيرة الخيرية عام 1921 أجرت عليها تحسينات كثيرة حتى باتت لائقة لتسميتها على اسم الرئيس الأميركي السادس والعشرين (من 1901-1909) تيودور روزفلت (1858-1919). فتخليداً لذكراه، هو الذي يعتبره الأميركيون رئيساً رؤيوياً كان يتطلّع دائماً الى مستقبل شعبه وأمّته، أراد مُحبّوه، بعد وفاته (9/1/1919)، أن يُخلّدوا اسمه فلم يَجدوا أفضل من هذه الجزيرة الصغيرة في قلب نهر بوتوماك (الآتي من فرجينيا وميريلَند وواشنطن والبالغ نيويورك باسم “النهر الشرقي”) فاشترتها “جمعية تَخليد ذكرى تيودور روزفلت” عام 1932، ووافق الكونغرس على تمويل مشاريعها عام 1960. وعام 1969 وافقت بلدية مدينة نيويورك على تأجير ولاية نيويورك تلك الجزيرة مدة 99 سنة، ما ساعد “الجمعية” على تسمية الجزيرة باسم الرئيس الأميركي (عام 1973) ومن يومها انطلقت عمرانياً وسياحياً كما هي الآن.
ولعل أطرف ما فيها (عدا كونها جميلة ونظيفة ومصانة بعناية لافتة كي تجذب السياح والزوار) هو القطار المعلّق (التلفريك) الذي ينقل الناس من مانهاتن إليها في رحلة من 4 دقائق مروراً فوق النهر وإشرافاً من جهة على البنايات العملاقة في جزيرة مانهاتن، ومن الضفة الأُخرى على الأحياء السكنية الجميلة من بروكلن وكوينْز وبرونكس في رحلة وصفتها يوماً “نيويورك تايمز” بـ”أجمل منظر يطلّ على مدينة نيويورك”. والقطار بدأ (1976) وسيلة نقل عادية لسكان الجزيرة، لكنه تحوَّل مَعْلَماً سياحياً بلغ رواده حتى اليوم نحو 26 مليون نسمة. تستوعب مقطورته المعلّقة 125 راكـــبــاً، وتقوم يومياً بـ115 رحلة من الجزيرة وإليها، سرعتها نحو 26 كلم/ساعة مجتازة في الهواء نحو 930 متراً تبلغ في علوّها الأقصى فوق النهر نحو 75 متراً. وهي نقطة جذْبٍ سياحية مهمّة جداً لا تزال تتنامى كل عام بحسب إحصاءات الدولة.
يسكت نقولا شويري عن الشرح، فأخرج الى الشرفة أتأمّل النهر غير الهادر، وأفكّر بأنهار هادرة عندنا قد تمر فوقها قطارات معلّقة تشرف على أجمل مناظر الدنيا، ولكن…؟