هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

شو يعني “لبنان اللبناني”؟
“أَزرار” – الحلقة 1177 – “النهار” – السبت 8 أَيَّار 2021

يلاحظ قرَّاءُ مقالاتي تكراريَ عبارة “لبنان اللبناني”، مَن يجدها شوڤينية متزمِّتة، أَو انعزالية متقوقعة، أَو هوية جهيرة.

توضيحًا: ليست أَيًّا من هذه الأَعلاه. لبنان ليس في حاجة لي ولا لسواي كي تَثبُتَ هويته، وليس متزمِّتًا ولا مُغلَقًا ولا متقوقعًا.

ما يكون إِذَنْ مدلول عبارتي “لبنان اللبناني”؟ إِنه الإِيمان بوطني على مداه الأَوسع، والوساعة العالمية من علاماته التاريخية.

أَقول الوساعة لأُخْرِجَ من عبارتي مفهوم “لبنان الدولة”. فللدولة سُلطة على مساحة أَرضها فقط، لا شبرَ واحدًا بعدها، ولا على أَحدٍ خارج حدودها. أَما الوطن فهو الشعبُ على أَرضه وخارجَها حيث يكون شعبُه. و”لبنان اللبناني” هو شعبه على أَرضه واللبنانيون المضيئُون بحضورهم الفَذ في العالم.

“لبنان اللبناني” خارجَ المحليَّات والآنيَّات والطوائف والتشكيلات السياسية (هذه اهتمامات الدولة)، وهو يتَّسع إِلى حيثما ينزرع اللبنانيون أَرزًا في أَوطان الدنيا.

“لبنان اللبناني” لا يُنعَت إِلَّا بذاته، لا بأَيِّ نعتٍ مستعارٍ من خارجه. إِنه المنارة تشعُّ على ناسها ومحيطها والبعيد، لا تقاس بمساحتها على الأَرض أَو على خارطة الدول. هو ليس هذه الجغرافيا الضئيلة (10452 كلم م.) ولا هذه الديموغرافيا القليلة (بضعة ملايين) بل هو الحضور اللبناني الـمُشْرق الـمُشَرِّف، هنا على أَرضه وفي دوَل الآخرين.

“لبنان اللبناني” هو التراثُ الخلَّاق في كل قطاع، هنا وفي العالم، إِرثُ العقل اللبناني الفاعل في نهضة البلدان أَينما حلَّ، أَسهم في النهضة العربية التي تُقِرُّ له بذلك، وفي إِنجازات عالمية تقرُّ له بها دوَلٌ يبدع فيها لبنانيون نابغون.

“لبنان اللبناني” هو لبنان الإِنسان، المتفاعل مع محيطه العربي الأَخَويّ بأَصفى اللبنانيين في كل اختصاص، المنفتح على الغرب تلاقُحًا حضاريًا يُشَرِّف أَرضه الأُم.

“لبنان اللبناني” هو المؤْمن بالله عبر طوائف سمحاء على أَرضه، يجمع بينها التزامُها الإِيمانَ بالله مفهومَ لبنان الرسالة بلأْلأَتها على العالَمَين العربي والغربي حوارًا روحانيًا ثقافيًا حضاريًا فريدًا.

“لبنان اللبناني” هو الدور النموذج الرائع لأُخُوَّة إِنسانية تعلو على الفردانيات والشخصانيات والأَنانيات والمحليات والإِقليميات والانتماءات والاستزلامات ومحاور السياسات الضيقات الآنيَّات المتغيرات.

هذا الأَعلاه، من عبقرية “لبنان اللبناني”، هل ينطبق على “لبنان الدولة”؟ طبعًا لا. على لبنان السلطة السياسية؟ أَكيدًا لا. والتدهوُر الذي يُصيب لبنانَ دليلُ فشَل الدولة من فشَل السُلطة. فالدولة أَضمَنُ انتظامٍ لحماية شعبها وحقوقه وواجباته ونظامه ومستقبله بقوانين وأَنظمة تسهر على تطبيقها سُلطة حاسمة حازمة. وما دامت السلطة السياسية في لبنان فاشلة في قيادة لبنان الدولة إِلى لبنان الوطن، فهي لا ولن تستاهل أَن تنتمي إِلى “لبنان اللبناني” الحضاري الآتي من المستقبل، أَوسعَ من شبْر المكان وأَبعد من آنيَّة الزمان.

بلى، وباعتزاز الرأْس المرفوع: إِلى هذا الــ”لبنان اللبناني” أَنا أَنتمي، لا أُنعَتُ إِلَّا به، لا هويةَ لي إِلَّاه، ولا توقَ وطنيًّا لي إِلَّا أَن تكون دولتُهُ مستاهلةً شرفَ استحقاقِه والانتماءِ إِليه.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib