هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

خطأُك اللغوي فاضح يا “فخامة” الرئيس
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1509- “صوت كلّ لبنان” – الأَحد 28 آذار 2021

          كان ذلك في 9 تشرين الثاني الماضي، يوم زار رئيس الجمهورية إِيمانويل ماكرون بيت الجنرال ديغول في “كولومبيه لي دوزيغليز” (Colombey-les-Deux-Églises) لمناسبة الذكرى الخمسين لوفاة ديغول (1970-2020) وكتَب مقطعًا بخطِّه على دفتر الزوار، مقترفًا غلطةً لغويةً فاضحة. وبالرغم من مرور أَشهر على تلك الغلطة، ما زالت الصحافةُ تتناولها، ووسائطُ التواصل الاجتماعي تتداولها، مُعيبةً على رئيس الجمهورية أَن يقترف غلطةً لغويةً لا يقترفها تلميذٌ في المرحلة الابتدائية.

          يعظُمُ في عين الشعب أَن يُخطئَ رئيس جمهوريته وهو يتكلَّم، أَو يكتُب، أَو يقرأُ نصًّا مكتوبًا. فالغلطةُ اللغوية تدُل على خلَل في العقل، واللغةُ بنتُ العقل، والعقلُ أَبو المنطق، فكيف يكون لدى رئيس الجمهورية خلَلٌ في عقله أَو في المنطق؟

          الرئيس في عين الشعب دومًا: نموذجي مثال، ينفلش خطأُه الأَقل على الأَكثر من الشعب الذي يرى الخطأَ الضئيلَ جسيمًا، لأَنَّ مَن لا ينتبه لعقله ومنطقه في كتابة لغته الأُم، قد لا ينفعُه عقلُه ومنطقُه في أَمور أَكبرَ تَهُمُّ البلادَ الأُم.

          ولا يزال دفترُ الزوار مفتوحًا في بيت ديغول، ولا يزال الزوَّارُ يَرَون في صفحة ماكرون بخطِّه تلك الغلطة اللغوية.

          في حلقة سابقة (1504) من هذا البرنامج (21 شباط 2021) شدَّدت على أَهمية أَن نحترم اللغة الأُمّ، وأَلَّا نستهينَ بها بحجة أَنَّ الوقت الآن في لبنان لأُمورٍ أَهمَّ نتوقَّف عندها ولا نتوقف عند خَطَإٍ لغوي.

          أَوردتُ غلطة ماكرون التي لم يسامحه شعبه عليها، لأَقول إِن شعبًا يحترم لغتَه الأُم لا يغفِر لرئيس جمهوريته أَن يستهين بِلُغَته الأُم لأَن اللغةَ واجهةُ الحضارة وصورةُ الوطن. فماذا أَقول إِذًا عمَّا وعمَّن عندنا، من أَهل إِعلامٍ يُصرُّون على استعمال اللغة الأُم ويطيحون قواعدَها ويَرتكبون عشْرة أَخطاءٍ في جملةٍ من تسع كلمات.

          ويَهونُ وضْع أَهل الإِعلام عندنا، إِزاء “عباقرةٍ” “جهابذةٍ” من أَهل السياسة يُصرُّون على الفصحى في خُطَبِهم الخشبية المسوَّسة وتَصاريحهم القصديرية الصَدِئَة، ويُطيحون قواعدَ الفصحى فيتعثَّرون ويتفَركشون ويُتَأْتِئُون وتخرُج العباراتُ منهم عرجاء عوجاء بلهاء كَسِحْنَتِهِم العوراء.

          ذلك أَنَّ عندنا سياسيين رؤَساء ووزراء ونوَّابًا وزعماء يُصرُّون على الفصحى وهُم بها جَهَلةٌ جاهلون، فيكتبونها بغباء، ويتكلَّمونها بغباء، ويُمسكون نصًا مكتوبًا لهم بكامل تشكيله وحركاتِه فيقرأُونه بجهالة وغباء: يَمعسون اللغةَ الأُم بكل وقاحة، قناعةً منهم أَن المهِمَّ ليس اللغةَ التي يقرأُونها، فهذا في رأْيهم أَمرٌ شكليٌّ ثانويٌّ، بل المهم هو ما “يُبْدِعُون” من أَفكار يقدِّمونها للشعب، وهي أَفكارٌ نَتِنَةٌ عفنةٌ أَقبحُ عورًا من لغتهم العوراء، وتَخجلُ بهم أَيُّ صفحةٍ من “دفتر الزوار” في ذاكرة التاريخ.

          ومَن بِـجهْله لا يحترمُ لغتَه الأُمّ لا يحترمُ بلادَه الأُمّ، ولا شعبَ بلاده الأُمّ، ولا مستقبلَ بلادِه الأُمَ، بدليل ما وصلْنا إِليه في لبنان من انهيارٍ سَبَبُهُ أَركانُ سلطةٍ طُغمةٍ لا يحترمون اللغةَ الأُمّ، ولا شعبَهم في بلاده الأُمّ، ولا مصيرَ بلادِهم الأُمّ، ويورِّطون البلاد في مآسٍ وفواجعَ وكوارثَ وأَهوالٍ من كل نوع، وما زالوا يعتبرون الخطأَ اللغويَّ ثانويًا على لسانٍ لهم قبيحٍ أَوصلَ البلاد إِلى أَن تصير، كما لغتُهم، جهلاء عرجاء عوجاء على صورة سِحْنَتِهم العوراء.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib