هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف”- الحلقة 1494
نصفُ الخبَر وأَنصافُ الرجال
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 13 كانون الأَول 2020

قبل ستة أَشهر تمامًا، مثل اليوم، في 13 تموز، قرأْتُ في جريدة “لو سْوار” البلجيكية خبرًا عن قرار الحكومة جعلَ السرعة في العاصمة بروكسيل 30 كلم فقط في الساعة، حفاظًا على حياة المواطنين والأَولاد والسيَّاح ودرْءًا لهم من مخاطر السرعة وحوادثها القاتلة.

في التفاصيل يومها أَن البلدية ستبدأُ بوضع إِشارات سير تنبيهية في شوارع المدينة تشير إِلى تحديد سرعة السيارات عمومًا بـ30 كلم/ساعة، يعني: ببطءٍ شديد وحذَر رشيد وتهديد بمحضر ضبط سديد، وتتعدَّل السرعة تدريجيًّا إِلى 50 كلم/ساعة في شوارع معيَّنة كما حول الـﭙـنتاغون (وسط العاصمة)، وتبلغ 70 كلم/ساعة في جادَّات أُخرى خارج قلب العاصمة بعيدًا عن وسط المدينة.

ووزعت البلدية خرائطَ توضيحيةً مختلفةَ الأَحجام، كبيرُها مُلصَق أَو معلَّق أَو منشور في الشوارع العامة، والأَصغر موزَّعٌ مجَّانًا في المكتبات وأَكشاك بيع الصحف، ونُسخ خاصة لدى الدوائر الأَمنية والبلدية والإِدارية المختصَّة مع تفاصيل التصرُّف في حال المخالفات.

كان هذا نصفَ الخبر. النصفُ الآخر أَن الدولة، منذ تموز الماضي، نفَّذَت جميع مراحل الخطة (حرفيًا كما وعدَت في تموز) وها هي، كما صدر أَوَّل من أَمس في الصحف البلجيكية، تَتَهَيَّأُ لتنفيذ الخطة في اليوم الأَول من العام الجديد فيبدأُ تسطير محاضر مخالفات السرعة، وهي قاسية وحازمة. ووردَ أَيضًا أَن الإِشارات الموقَّتة الحالية للتنبيه على السرعة ستُنْزَعُ تدريجيًا إِذ يكون المواطنون اعتادوا على السير البطيْء والْتزموا، فتبقى الإِشارات العادية، وتزول آخر لافتة موقتة في 31 آذار 2021.

انتهى الخبرُ القديم من تموز والخبرُ الجديد من هذا الأُسبوع، لتَبدأَ العبرة في دولة تحترم مواطنيها وسيَّاحها، تسهر على سلامتهم، ترفع عنهم خطر الموت، وأَركان السلطة فيها لا يتبادلون التهَم والمسؤُوليات حين يقع خطأٌ أَو حادث أَو… انفجار.

ذلك أَن دولة بلجيكا، كأَيِّ دولة منظَّمة في العالم، لا تترك في شوارع العاصمة إِشاراتٍ كهربائيةً مُطفأَة، ولا تترك الحُفَر في شوارعها أَفخاخًا وآبارًا، ولا تترك الأَرصفة مكسَّرةً بدون صيانة، ولا تترك مستوعبات الزبائل بدون جمع، ولا تَتَعَنْتَر بعبقرية المفرد والمزدوج لتخفيف الاكتظاظ، ولا تترك الشوارع بدون رادارات للسرعة، ولا تترك البيئة “سارحة والرب راعيها”، ولا تترك تلوُّثًا سرطانيًّا من معامل الكهرباء، ولا تلوُّثًا صحيًّا من دخان عوادم السيارات، ولا تلوُّثًا سمعيًّا من زمامير السيارات، ولا تترك الفوضى لسائقين رُعَناء متهوِّرين يَقتلون مواطنين أَبرياء.

في كل دولة منظَّمة: دستور يُحترَم، وقوانين تُراعى، وقرارات تنفَّذ، وخطَط توضع مسبَقًا وتنفَّذ حرفيًّا وفْق روزنامة مخططها الزمني.

في كل دولة منظَّمة: يحاسَب المواطن أَيًّا يكن، مهما علا كعْبُه وعلَت رقبتُه وشمخَ رأْسُه ويأْفوخه، من رأْس الدولة إِلى آخر حاجب فيها.

في كل دولة منظَّمة يَغتال فيها انفجارٌ نصفَ عاصمتها، لا يبقى التحقيق أَربعة أَشهر بدون نتائج، بل بعد أَربعة أَيام من الانفجار يذهب المسؤُولون عنه إِلى البيت… أَو إِلى المحكمة … أَو إِلى زنزانة العدالة، وربما… إِلى مقصلة ماري أَنطوانيت.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib