هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 1090
بُروُدة الــرُخام وصَقيعُ النسيان
السبت 29 حزيران 2019

        إِعادة اللوحة الرخامية على بيت مارون النقَّاش في صيدا، خطوةٌ جيدة لكنها نصفُ ناجحة. النصفُ الآخَر يبقى في إِكمال هذه البادرة النبيلة كي لا تبقى عبارةً على جدار.

         لا يكفي أَن يَـمُرَّ صيداويٌّ أَو سائحٌ فيقرأَ على بُرودة الرخامة: “في هذا المنزل وُلِدَ مارون النقَّاش (صيدا 1817- طرطوس 1855) مُؤَسِّس الـمسرح في العالم العربي، كاتب مسرحي وشاعر”.

         لا يكفي أَن “يتحوَّل المنزل مع الوقت إِلى مزار للمهتمِّين”، أَو أَن “يصبح للبيت لوحةٌ تدلُّ عليه” أَو أَن “يندرج هذا البيت في الدليل السياحي” أَو أَن “تَدعم وزارة الثقافة هذه الخطوة وتباركها”، أَو أَن “يكون في المبنى ذاته فندق القلعة التراثي، يعاد حاليًّا ترميمُه لتشغيله فيستقبل الوافدين إِلى صيدا”.

         الداخل إِلى هذا البيت، ماذا يعرف عن مارون النقَّاش كي يَزورَ البيت أَو كي يتعرفَ أَكثر إِلى ما يعرف إِن كان يعرف؟

         ماذا ينفع الزائرَ أَن يدخل إِلى بيت فارغ تشير إِليه بلاطة على المدخل وليس فيه كتابٌ واحد لِـمَن وُلد في هذا البيت، أَو كتاب عنه، وما أَكثر الكتب التي صدَرت عنه كُلِّيًّا أَو جُزئيًّا. ومن أَبرز ما صدر: كتابٌ موثَّقٌ ممتاز يضم أَعمال النقَّاش الأَصلية مع تحقيق أَكاديميٍّ ومقدمة من نبيل أبو مراد (منشورات “فينيكس” – جامعة الروح القدس – الكسليك).

         ينفع الزائر: أَن يصبح البيت مكتبةً عامة، أَو مركزًا ثقافيًا على اسم مارون النقَّاش.

         المزار الديني يمكن أن يكون فارغًا إِلَّا من صورةٍ أَو تمثال. أَما المتحف الثقافي فقيمتُه ما يُشير فيه إِلى صاحبه: ملصقات أَو مطويات أَو كتيِّبات أَو كتُب أَو وثائق صوتية أَو بصرية، حتى تكونَ الزيارةُ مفيدةً قاصدَها فيعرف أَن مارون ابن الياس ابن ميخائيل النقَّاش وُلِدَ في هذا البيت سنة 1817 ثم انتقل طفلًا إِلى بيروت مع والده الذي قصدَها لتوسيع تجارته، وفيها أَتقن مارون التركية والإِيطالية والفرنسية. وبعدما في جولاته التجارية اكتشف فن الأُوﭘـرا، عاد وحَــوَّل بيتَه البيروتي (شارع الجمِّيزة اليوم) صالة مسرح قدَّم فيها اقتباسَه “بخيل” موليير سنة 1847، وسنة 1850 مسرحيتَه الثانية “أَبو الحسن المغفَّل أَو هارون الرشيد” (مقتبِسًا إِيَّاها عن “أَلف ليلة وليلة”)، وسنة 1853 مسرحيتَه الثالثة “الحسود السليط”. وعلى ذاك المبنى البيروتي اليوم بلاطةٌ رخاميةٌ باردةٌ تشير إِليه.

         وما أَقوله عن بيت مارون النقَّاش أَقوله عن بيوت ومتاحف ثقافية في لبنان: جبران، أَبو شبكة، الريحاني، مارون عبود، تبقى حيطانًا باردة تضمُّ أَصداءَ باردةً إِن لم يتفعَّل المتحف بأَنشطةٍ دوريةٍ تُقام فيه، عن صاحبه أَو عن عصره، حتى تكونَ زيارةُ البيت مفيدةً زائريها أَكثرَ من مشاهدتهم أَغراضًا تَنعَس في صقيع النسيان، ووثائقَ بات معظمُها اليوم متوفِّـــرًا في أَيِّ موقعٍ إِلكتروني.                                                                                                            

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib