هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1391
عتيقٌ  أَم  جديد؟  مستعارٌ   أَم أَزرق؟
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد 23 كانون الأَوَّل  2018

عن آخر الإِحصاءات أَن المباني المصنَّفَةَ أَثريةً في بيروت كانت  1200 سنة 1995، وتقلَّصَت إِلى الرُبع سنة 2010، (أي 300 فقط) ولا أَجرؤُ أَن أَسأَلَ عن ضُمُور عددِها اليوم مع الهزيع الأَخير من هذه السنة، بعد ما نسمعُه بين يومٍ وآخر عن اجتياح الجرَّافات والآلات الضخمة مباني جريحةً تسقط تباعًا صرعى الجهل والإِهمال، ماحيةً بسُقوطها صفحاتٍ مطرَّزةً من تراثنا المعماري والهندسي والتاريخي.

وفيما تصدر قراراتٌ مانعةٌ وأُخرى مائعةٌ حول هذه المباني، تضيع المعايـير بين ضَياع المقياس الواضح للمبنى القديم والمبنى الأَثري والمبنى التراثي، فتنهض أَصواتٌ تعترض عند هدْمِ قديمٍ ليس أَثَريًّا ولا تراثيًّا، وتنخفض أَصواتٌ عند هدْمِ مبنًى أَثَريٍّ ذي طابع تراثيّ.

المعيار أَن نميّز فئتين: الأُولى لــبناءٍ قديم غيرِ تراثي وغير تاريخي وغير أَثري لا ضير من هدمه لبزوغ مبنًى جديدٍ عصريٍّ جميلٍ مكانه، والأُخرى لـبناءٍ أَثَريٍّ أَو تاريخيٍّ أَو تراثيٍّ يَـجبُ إِبقاؤُه والحفاظُ عليه.

من الفئة الأُولى: الصالةُ الزجاجية في مبنى وزارتَـي الإِعلام والسياحة وهو شُيِّدَ قبل ما يزيد عن نصف قرن. والصالة ليست أَثريةً ولا تراثية وباتت اليوم قديمةً هَرِمَةً فاقدةَ الغاية والهوية. مع ذلك، وبحجَّة أَنها من تصميمٍ كان ذاتَ يوم نبضًا نضِرًا عصريًّـا، يعترض البعض على ترميمِها وتحديثِها وتجديدِ نبْضها الذي كان لها أَيامَ كانت تستقبل أَحداثًا كبرى سياحية وثقافية، واليوم تُرَمَّمُ كي تستعيدَ أَلَقَها.

ومن هذه الفئة أَيضًا: ضجةٌ تقوم على هدم مبنى “معمل بيرة الشرق” الذي بناه جورج جلَّاد سنة 1930، وبات اليوم قديمًا مهجُورًا هرِمًا خَربًا لا أَثَرَ فيه للتراث ولا للتاريخ بعدما انتقَلَ معمل بيرة “لذيذة” إِلى مكانٍ آخَر ولا جدوى من الحفاظ عليه جثةً بلا مَعْلَم. ومن هذه الفئة كذلك بُيوتٌ في المدُن قديمةٌ هرمةٌ تهدِّد سكانها بالانهيار ولا صوتَ يرتفع للتحذير أَو إِيجاد الحلّ قبل وُقُوع الكارثة.

ومن الفئة الأُخرى: معالِـمُ يوشِكُ الهدمُ إِزالتَها، كما العقار 740 من منطقة الباشورة، وفيه كَشَفَت الحفريات عن سُورٍ عالٍ داعمٍ مقبرةً رومانيةً يُرجِّحُ علماءُ الآثار عمرَها من القرن الميلادي الأَول. ومع أَن الموقع أَثريٌّ تاريخيٌّ دامغ، ما زالت الجرافات تكسِّــرُ حجارة السور على الرُغم من قرارِ مجلس الشورى بوقْف الهدم الذي سمحَ به قرارُ وزيرِ الثقافة.

 الشاهد إِذًا أَن لا ضير من هدْمِ بناءٍ قديمٍ عتيقٍ مُتَداعٍ متهالكٍ مهجورٍ لا أَثرَ فيه لطرازٍ معماريّ، ولا لذاكرةٍ أَثرية أَو تراثية أَو تاريخية ولا هو مُهيَّأٌ أَن يكون مَعْلَمًا ثقافيًّا أَو سياحيًّا أَو وطنيًّا، كما الحال في بيت فيروز عند محلَّة زقاق البلاط وهو، مهما صاح المتحمِّسُون، لن يكون متحفًا إِذ لا موادَّ متوفِّرةً لعرضها فيه، ولم يشغَلْه مَن يُحافظُ عليه كي تُوضَعَ على مدخله أَو جدارٍ منه بلاطةُ تذكاريةٌ تشير إِلى أَن نهاد حداد نشأَت فيه فترةً من صباها قبل أَن تُصبح فيروز وتحملَ لبنان في صوتها الكَونيّ الفريد إِلى جميع أَنحاء العالم.

هنا نحن إِذًا مع مبانينا: فلنعرفْ أَن نُـميِّز فيها بين عتيق وجديد، بين مستعار وأَزرق، كما يذكِّرُنا تقليدٌ في الأَعراس أَن يُهدى العروسان أَربعةَ رموزٍ ذاتِ معانٍ هي: عتيقٌ يُـحفَظ ذكرى من شخص رمزًا للاستمرار، جديدٌ يُـحفَظ للتفاؤُل بالمستقبل، مستعارٌ يُـحفَظ موَقَّــتًا في العرس تَـيَـمُّـنًا بسعادة صاحبه الأَصلي، وأَزرقُ يُـحفَظ رمزًا للحب والإِخلاص وطرْد العيون الحاسدة.

فَـلْـنُـطَـبِّـقْ هذه الرموز الأَربعة على معالِـمنا ومبانينا، ويسهُل عندها أَن نقرر أَيَّها نهدُم أَو نرمِّم، وأَيَّـها نُبْقيه ونحفظُه ونحافظُ عليه مَعْلَمًا من قلْب أَرضِنا السخيَّةِ جدًّا بِكُنُوز الآثار ورُمُوز التراث وصفحاتِ التاريخ الخالدة.     

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib