هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 1037
“سيري” وأَخَــواتُـهـا
“النهار”  –  السبت 19 أَيَّــار 2018

تتوالى في السنوات الأَخيرة، وفي سرعةٍ مذهلة، ولاداتُ أَجيال إِلكترونية متلاحقة جديدة. لا يكاد جيلٌ يُطل ويستخدمه الملايين، حتى يَظهَر بعدَهُ جيلٌ جديدٌ أَكثر تطوُّرًا وعملانيةً وسِباقًا صوب العشرينات المقبلة من هذا القرن، حتى ليغدو تصديقُ جديدِها أَمرًا سورياليًّا يقترب من الـلامعقول.

أَحدثُ الصادر: تطبيقٌ جديد من شركة “غوغل” يمكن به الاستعانة كـ”مُساعِدَة” إِلكترونية تنُوب عن السكرتيرة، فتتصل بالمطعم أَو بصالون الحلاقة لتسجيل موعدٍ أَو حجز طاولةٍ للعشاء أَو لتحديد زيارةٍ إِلى الطبيب. وهذه الـ”مُساعِدة” تنضمُّ إِلى أَخَوات لها “مُساعِداتٍ”، مثل “سيري” من إِنتاج شركة “آﭘِّـل”، و”كورتانا” من شركة “مايكروسوفت”، و”مساعِدة المنزل” من اختراع شركة “غوغل”، و”أَلِكْسا” أَحدَث أَجيال شركة “آمازون”. ولـهذه “الـمساعِدات” شقيقاتٌ أُخْـرَياتٌ وُلِدْنَ قبل فترة، منها ساعةُ يَــدٍ، فيها كومــﭙــيوتر يُوصِل الرسائل الإِلكترونية بالإِنترنت فيَستغني حامل الساعة عن هاتفه المحمول، ومنها تطبيقٌ يقيس عددَ الأَمتار التي يقطعها حاملُ الساعة فيعرف المسافة التي مشاها هذا النهار من دون العودة إِلى هاتفه المحمول الحامل هذا التطبيق. وأَكثر بعد: بات بإِمكانه الاستغناء كلّيًّا عن حمل هاتفه الخَلَوي إِذ يتَّصل هاتفيًا من ساعة يَدِه ويتلقّى منها الاتصالات ويُـجيب عنها.

يطول الحديث عن تعداد تطبيقاتٍ مذْهلةِ الفاعليةِ والعَمَلانية، توفّر رفاه ملايين المستهلكين في العالم. غير أَن الإِلكترونيات، مهما تطوَّرَت، لا يمكنها أَن تحلّ مكان العقل البشري الذي يُوجد التطبيق ويغذِّيه بالمعلومات.

العقلُ الإِلكتروني يتْبع، والعقلُ البشري يبدع، وها هو بلغ في اختراعاته قُدرةَ استنساخ “عقول” إِلكترونية في خدمته. هو يُـخطّط والعقلُ الاصطناعي ينفّذ، فقط ينفّذ، لأَنه غير “خلَّاق”، خصوصًا في الفنون والآداب، ولأَنه جامدٌ فارغٌ أَخرس ينتظر مادةً يغذيه بها سَيِّدُهُ العقلُ البشري حتى يتلقّفها وينفّذ بموجبها ما يطلبه المستخدِم. إِذًا لا يُمكنه تلقائيًّا أَن يخلق لوحدِه لحظةً واحدة أَو لمحةً واحدة أَو خاطرةً واحدة لم يُلقمه إِياها العقلُ البشري، بل يقف صامتًا حائرًا أَمام أَيِّ سؤَال أَو طلب لا مادة لديه عنده من تلقيمات العقل البشري.

صحيح أَن العقل الإِلكتروني “ذكيّ”، لكنّ “ذكاءَه” منقولٌ منحولٌ من العقل البشري الذكيّ الذي وحدَه يُـغيِّر، يُـبدِّل، يُضيف، يَـخترع، يُبدع، يطوِّر. العقل الإِلكتروني، وحده، يبقى عقيمًا، بينما العقل البشري، وحده، متواصل الخصوبة والعطاء.

صحيح أَننا ننعَم اليوم بفردوس تكنولوجيا العصر وإِلكترونياتها المذهلةِ التطوُّر، لكن المجدَ كلَّ المجد للعقل البشري الـمتَطوِّر الـمُطوِّر القادر الفاعل الخلَّاق. الآلةُ عمياء خرساء إِن لم يتولَّ العقل البشري تلقيمَها النورَ كي تُبصر، والنطقَ كي تتكلَّم، ومادةَ المعلومات كي تُـجيب.

ومهما تَطَوَّر العقْلُ الإِلكتروني “الذكيّ”، سيبقى خاضعًا لعبقرية الإِنسان وسعادتِه وقدراتِه اللامحدودة في تطوير العقْل البشري.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib