هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” -الحلقة 1352
الأَحــــمَــــق  والــصُــنْـــدُوق
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَد 18 آذار  2018

في دراسةٍ أَكاديمية وضَعَها كارلو كـيـﭙُّـولا Cipolla أُستاذ التاريخ الاقتصادي الاجتماعي لدى جامعة كاليفونيا في بيركلي، أَنّ أَكبر آفة تتهدَّد البشرية حاليًّا هي: الحماقة. وهذه لها في لغتنا العربية الأُمِّ مرادِفاتٌ عدَّة بينها العُـتْـهُ والبَلَهُ والسذاجة والغباوة.

غير أَن الكلمة ومرادفاتِها لا تعني ولا بحاٍل أَن الأَحمق أَو المعتوه أَو الأَبله أَو الساذج أَو الغبيّ هو عكس الذكيّ. فالأَحمق ربما يكونُ على بعض ذكاءٍ، فطريٍّ أَو مكتسَب، لكنه ذو تصرُّفٍ مُدَمِّرٍ حوله الآخَرين، أَقربيهم أَو الأَبعَدين.

الأَحمق إِذًا ليس البتَّة مُعاقًا، بل أَهوجُ التعبير والتفكير والتقرير، يتصرَّف بحماقةٍ متسرّعة متعثّرة متكبّرة، من دون أَن يدري كم يُـؤْذي أَو يدمِّر، ولعلَّ الأَخطرَ أَنه لا يُدرك كم هو مُؤْذٍ ومُدمِّر، أَي أَنه لا يَعرف ولا يَعرف أَنه لا يَعرف. فحماقةُ القَول أَو الفِعل تكون أَحيانًا غباوةً في التقرير، سذاجةً في التعبير، بلاهةً في التفكير، وربما تكون أَحيانًا حماقةً واعيةً حجمَ الأَذى قاصدةً بكل وعْيٍ خطرَ الضرر الذي يُـحْدِثُه حجمُ التصَـرُّف أَو نوعُ السُـلُوك.

في هذا السياق أَعود إِلى كارلو كـيـﭙُّـولا لأَقرأَ في دراسته أَنّ الحمقى في المجتمع كثيرُون، غيرُ منطقيين، يسبِّبون مشاكلَ وأَزماتٍ لا يُفيدون منها شخصيًّا لكنّ المجتمع يتضرَّر منها. من هنا لا حمايةَ أَبدًا ضدّ الحماقة، لذا لا يمكن تجنُّب الحماقة إِلَّا بمواجهتها في ذكاءٍ وإِصرارٍ على ما نجده صحيحًا، دون تَـبَـنِّـي أَيِّ رأْيٍ أَو موقفٍ مـمَّن نرى أَو نعرف أَنهم حمقى. لذلك وضع كـيـﭙُّـولا خمسَ قواعد ثابتة تتصدَّى للحماقة، هي:

الأُولى: أَلّا نستهين بعدَد الحمقى بيننا، بل أَن نحسب لهم دائمًا حسابًا واعيًا حذِرًا.

الثانية: أَن نتنبّه إِلى أَن حماقة الشخص مستقلَّة عن العناصر الأُخرى في شخصيته الفردية أَو الاجتماعية، وعن طبيعة عمله أَو وضعه السياسي أَو الاجتماعي أَو الديني أَو المذهبي أَو الثقافي أَو المالي. فثمة حسب كـيـﭙُّـولا: حمقى في مراكز السلطة والقرار متهوِّرون مهوُوسون متوتِّرون، وتؤَدّي حماقتهم إِلى ضرر يكون أَحيانًا ذا مستوًى وطني أَو دولي.

الثالثة: يسبّب الأَحمق ضررًا للسوى الفردي أَو الجماعي، فإِمَّا يستفيد هو من تصرُّفه ويؤْذي الآخرين، وإِمَّا يكسب هو على حساب الآخرين، وإِما لا يكون لتصرُّفه الأَحمق أَيُّ فائدة له ولا للآخرين.

الــرابعة: عدمُ عقْد أَيّ صفقة أَو شراكة أَو وكالة أَو ارتباط أَو حوار مع الحمقى لأَنّ لهم ردودَ فعلٍ غيرَ متوقَّعة، بل مُهْلِكة مُدمِّرة، وغالبًا مفاجئَة إِنما… بعد فوات الأَوان.

الخامسة: الأَحمق هو الخطر الأَكبر على المجتمع لأَنه مختبِئٌ في شخصية غشاشة مغرية ثعلبية، ولا تنكشف غباوتُه المدَمِّرة إِلَّا بعد وُقُوع الضرر الذي هو أَحيانًا فردِيٌّ بين الشخص والأَحمق وأَحيانًا يصبح ضررًا أَخطر حين يُصبحُ الأَذى جماعيًّا على مستوى المجتمع أَو الوطن.

خلاصةُ كلّ هذا الكلام: أَن نتجنَّب خطَر الحمقى بِعَزْلهم من بيننا، سواءٌ بِإشاحتنا عنهم فرديًّا أَو جماعيًّا، وكذلك وطنيًّا بعدَم إِعطائهم صوتَنا التفضيلي في صندوق الانتخابات.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib