هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 1023
“بَــردًا وسلامًا” في مـملكة القلم
النهار”  –  السبت  13 كانون الثاني  2017″

بُورِكَت سُلْطة الكلمة، تَـهدُمُ العُروش بأَقسى من كُلّ سُلْطة

        أَبعد من كتاب الصحافي الأَميركي مايكل وُوْلف “النار والغضب في البيت الأَبيض عهد ترامـپ” وما أَثاره من زلزال بدأَ من البيت الأَبيض وتوسَّع إِلى جميع الولايات المتحدة وبلغ كل العالم، أَحمل تأْثيره وأَمضي مؤْمنًا أَكثرَ بسُلطةِ القلم على الحُكْم، أَيِّ حُكْم، وعلى الرؤَساء والمسؤُولين في أَيِّ وطَن وأَيِّ زمَن، كهذا الكتاب الذي، بسُرعة النار الهوجاء في الهشيم اليابس، اندلع أَكثرَ الكتُب مبيعًا في أَيام قليلة فقرأَ المواطنون فضائحَ وتصرفاتٍ لحاكمٍ ما زال في الحكْم ذي مُـمارسات تبلُغ، كما كشفَها وُوْلف، حَدّ “الغباء والوَلْدنة”.

         ما الذي فعلَه مايكل وُوْلف؟ كشَف المستور عن المنظور، ذاكرًا أَن هذا الترامـپ “لا يَـقرأُ ولا يُصغي”، يستمدُّ ثقافته من الـ”تويتر” ليجيب أَو لــ”يغرّد” ناشرًا عُصارة “أَفكاره النـــيِّرة”.

         أَتجاوز نُصوص الكتاب – وبات يعرفها الملايين – لأَبلُغ إِلى بيئة الكتاب: الديمقراطية الأَميركية. هذا بلدٌ يمارس الديمقراطية حتى أَقصى قسْوتها، ولا يجد الحاكم المعنيُّ إِلا مجرّد الرد على إِدانات قاسية واتهامات موثَّقة، فلا إِجراءَات قمعية ولا اتصالات زجْرية ولا محاكمات قضائية، مع أَن رأْس الدولة هو الـمعنيّ المباشر.

         الديمقراطية تعني أَن تقالَ الحقيقةُ عن الحاكم لا تلميحًا بل تصريحًا بدون تحفُّظ، وبدون أَن تنعق أَصوات المحاسيب والأَزلام والحاشية من أَهل البيت وأَغنام أَهل البيت، وبدون أَن تكلِّف صاحبَها السجنَ أَو الاعتقالَ أَو توقيفَه أَو توقيفَ برنامجه واستدعاءَه إِلى التحقيق والاستجواب والمساءَلة، فيما المسؤُولون يتشدَّقون بادّعائهم الديمقراطية ومنْحهم الشعب جَــوّ الحرية، وهُم توتاليتاريون مقنَّعون ودكتاتوريون خُبثاء يَخافون سُلطةَ القلم والميكروفون والشاشة، وتُرعبهم جرأَةُ الإِعلام والصحافة فيَهربون إِلى “الِإجراءَات” القمعية ويختبئُون خلف القضاء ويندسُّون خلْف حيطان القانون.

         الديمقراطية تعني أَن تعلو سُلطة القلم على سلطة الحكْم، وأَن تتقدَّم سُلطة الإِعلام على سُلطة البلاط، وأَن تكون الحقيقة الـمُوَثَّقَة إِدانةَ الشعب وثورتَه ضدّ الفساد في السلطة الإِجرائية أَو التنفيذية أَو التشريعية، وحتى القضائية التي تستزلم للبلاط، فيهتزُّ العرش ويتزعزع البلاط ويسقط الطواغيت في حفرة عروشهم.

         الديمقراطية تعني سلاحَ الصدق والصادقين، ونظامُها سيفٌ مُصْلتٌ فوق رأْس الحاكمين وأَتباعهم وأَزلامهم وأَذنابهم، وهو ذو حَدَّين: يَمنع القمْع لكنه يتيح حريةً للاختيار تأْتي بالحاكم ثم تُـحاكمه، لكنّ مواطنيه هم المسؤُولون عن وُصوله لأَنهم انتخَبوه وتاليًا يتحمَّلون تبعات تصرُّفاته الــ”ترامـﭙـية”، هم الذين نَــبَّـهَهم جبران: “إِن كان الحاكم طاغيةً تَوَدُّون خلْعه عن عرشه فانظُروا أَوَّلاً إِن كان تَهَدَّم عرشُه القائم في أَعماقكم”. وهذا ما رَمَت إِليه الآيةُ 11 من سُورة الرعد: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”.

          بُورِكَت سُلْطة الكلمة، تَـهدُمُ العُروش بأَقسى من كل سُلْطة.                                                                 

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib