هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1288
كلَّ فصلِ شتاءٍ وأَنتم…
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــــد 25 كانون الأَول 2016

ما إِن بدَأَت تُـمطر، الأُسبوع الماضي وهذا الأُسبوع، حتى فَرِحَت قلوبٌ وهَلَعَت قلوب.

التي فَرِحَت، أَفرحَها المطرُ ينـزل على الأَرض المشقَّقة من يَــباس،

والتي هَلعَت، أَرعبَها المطرُ ينـزل على الأَرض العائمة من إِهمال.

ما زلنا كلَّ موسمٍ جديدٍ للشتاء نَـنْـذُر للمطر ونَلْعَنُ للمطر. كأَنما لا يكفي تَسَلْحُفُنا يوميًّا في غابةٍ من حديدِ السيارات ودُخانِ عَوادِمِها الذي يسمِّم رئاتِنا وأَعصابَنا إِبان رحلتنا اليومية المطّاطة الطويلة إِلى مراكز أَعمالنا، حتى يَـجْيءَ طوفان الطرقات فيغْرِقَنا في سَيْل من الوُحول والــبُــرَك تَبْصُقُه علينا مَـجارٍ لـم يتمَّ تنظيفُها وتأْهيلُها قبل موسم الشتاء.

ويَحار المواطنون: مَن يُسائِلون؟ مَن يُحاسبون؟ مَن… يَلعنون؟

البلدية تقول إِن التقصير من وزارة الأَشغال. ووزارة الأَشغال تقول إِن المشكلة لدى مجلس الإِنماء والإِعمار. ومجلس الإِنماء والإِعمار يقول إِن العقدة في مجلس الوزراء لا يؤَمِّن الموازنة الكافية للعمل. ومجلس الوزراء كان  يقول إِن جلساته “جِدِّيَّةٌ جدًّا” إِلى حدّ أَن جدول الأَعمال طويلٌ طويلٌ ولا يكفي وقتُ الجلسة المطّاطة لإِنهاء مناقشَتِه والموافقة عليه.

وفي النهاية يـبقى المواطنون عالقين بين بحيرات المياه على الطرُقات، وبين أَعذار البلدية ووزارة الأَشغال ومجلس الإِنماء والإِعمار ومجلس الوزراء.

في بلدان الناس، وآخذ مونريال نموذجًا بين مئات، يَغمُر الثلج الشوارع والبيوت والمناطق لا ساعاتٍ طويلةً بل أَسابيعَ وأَشهُرًا طويلة، ولا يُصدَمون بـمجرًى مسدودٍ، أَو بحيرةٍ عائمةٍ في شارع، أَو طوفانٍ هائل يعلو على أُوتوستراد. والسبب أَن الدولة حاضرة: قبْل موسم الثلج والمطر حاضرة، خلال موسم الثلج والمطر حاضرة، تَنبيهاتُها المسْبقة حاضرة، تدابيرها الآنيَّة حاضرة، محاضر مخالفاتها حاضرة لـمُن يخالف تنفيذ التدابير أَو لا ينصاع لها، والنتيجة: موسمُ شتاءٍ عاصفٌ ماطرٌ مثلجٌ، لا تأْخير في تدبير، ولا أَعذار تَـنُـطُّ من مسؤُول إِلى جهة إِلى بلدية إِلى وزارة.

الـمحاسبةُ أَساس الحكْم الناجح، وفيها مبدأُ الثواب والعقاب.

ولكن المواطن اللبناني يظلُّ عالقًا في بُحيرات الطرقات وبين غابات السيارات، لأَن المحاسبة مفقودة، لأَن المراقبة مرقودة، لأَن الإِهمالات مقصودة. فمَن يُحاسب مَن: طالما المسؤُولون غائبون، والمحاسبون محسوبون، والمحاسيب ديوكٌ على أَبواب أَسيادهم صيّاحون، والمواطنون مصبورون صابرون مصبَّرون…

وإِلى أَن ينقشعَ الزمنُ السياسيُّ الملعون: كلَّ شتاءٍ وأَنتم… في سياراتكم عالقون!                                                                                                                                                                                                هـنـري زغـيـب 

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib