هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 955
كي تعودَ إِلى الإِرث هُـويَّــتُــه
“النهار” – السبت 3 أيلول 2016

بعد 100 سنة تمامًا (1906-2006) عادت إِلى حضن وطنها لوحةُ الرسام النمساوي غوستاڤ كليمْت “أَدال باور” من رحلة ضياعها الطويلة. فبعدما أَنجزها الرسام (وهو أَيضًا صاحبُ اللوحة الذهبية الشهيرة “القُبْلة”) كتبَت صاحبتُها في وصيتها أَن يقدِّم زوجُها اللوحة إِلى متحف الفن النمساوي. بعد وفاتها (1925) نفّذ زوجُها الوصية، لكن هتلر اجتاح النمسا سنة 1938 وضمَّها إِلى أَلمانيا فهرَب الزوج إِلى زوريخ ونُــهِــبَــت مُقتَنَياتُه. عيَّنت الدولة المحامي النازي فردريخ فوهرر للإِشراف على تسويقِها فآلت اللوحةُ سنة 1941 إِلى متحف ﭬـيـيـنّـا إِنما بعد تغيـير اسمها من “أَدال باور” إِلى “السيّدة ذات الذهب” لإِخفاء هُوية صاحبتها. عند فتح وصية الزوج لدى وفاته (1945) تبين أَنه أَوصى بـإِرثه إِلى أَبناء أُخته وبناتها، وبينهم ماريا آلْــتْمان التي شرعت بعملية استرداد اللوحة من متحف ﭬـيــينا فرفضت النمسا إِخراجها من المتحف وأَصرّت على إِبقائها في بلادها الأُمّ. ولأَن ماريا مواطنةٌ أَميركية رفعَت في واشنطن سنة 2000 دعوى ضد الدولة النمساوية لاسترداد إِرث خالها، ومنه اللوحة. بعد 6 سنوات من النزاع القضائي أَصدرت هيئة التحكيم حُكْمها سنة 2006 بإِعادة اللوحة إِلى صاحبة الإِرث فاستردَّتْـها ماريا وأَعادت إِليها هُويتها: اسم زوجة خالها “أَدال باور”. وما وصلت اللوحة إِلى واشنطن حتى اشتراها رونالد لاودِر صاحب “الغالري الجديدة” في نيويورك بمبلغ 135 مليون دولار: أَغلى ثمن في العالم يومها للوحة فنية. ولا تزال اللوحة هناك، صدرَت كتُبٌ وأَفلام عن أَهميتها الفنية وتفاصيلِ القصة المثيرة في استردادها إِلى ذويها بعد رحلة ضَـياَع نازية ونمساوية طويلة.

 أَسُوق هذه القصة اليوم بعد ما نشهده من فقدان روائع فنية أَو أَثرية أَو تاريخية خالدة بأَعمال نهب أَو تدمير أَو حروب تكفيرية واجتياحية عمياء تُكسّـر النحت أَو تسرق الآثار الدَهرية، بينها روائعُ الأَعمال عندنا في صور إِبّان الاجتياح الإِسرائيلي جنوبَ لبنان، وتلك التي نُهِبَت أَخيرًا في بغداد وحلَب وتدمر وسواها، ولا أَنسى معالِـم فلسطين المغتصَبة، وعبثًا تضيع عقيمةً أَصواتُ الهيئات والمؤَسسات الدولية مندِّدةً بتلك الأَعمال الوحشية.

ليس إِلّا صاحبُ الحق يمكنه أَن يتابع إِرثه عبر القضاء الدولي العادل، مَحكمةً أَو تحكيمًا، سواء رَفع الدعاوى أَفرادٌ ضد نظامٍ مغتصِب، أَو رفعتْها دولةٌ ضد دولة أُخرى، فاستردادُ روائع الفن إِنصافٌ دامغ لا ردَّ له ولا جدل فيه.

وما يشهده عصرُنا من فواحش اغتصابية، لا بد أَن يقوم له أَصحاب الحق فيستردُّوا إِرثهم من مغتصبيه، وتعود إِلى الإِرث هُويتُه، ويعود الإِبداع الخالد إِلى وطنه الأَصلي.

لكنّ الأَهمّ أَلّا تضيع الهوية من وطن هذا الإِبداع.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib