هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“أَزرار” – الحلقة 953
عَــضُّ الأَصابع… خوفًا أَو نَدَمًا
“النهار” – السبت 20 آب 2016

بين تقاليد الأَلعاب الأُولِمـبـيّة: وُقوفُ الفائزين أَمام المصوّرين بعد المباراة، وبين أَسنانهم مِداليةٌ ذهبية يعضُّونها بفرح النصر، حاملين الكؤُوسَ أَو التماثيلَ التذكارية.

مدلولُ هذا التقليد الرياضي القديم أَنّ المدالية، وإِن ليست من ذهبٍ كلّيٍّ مرصوص (كانت هكذا حتى 1912)، هي من ذهَبٍ نقيّ، علامةُ نقائه أَنه لَـيِّنٌ تَظهر عليه آثار الأَسنان التي تعَضُّه فيَثْبُت للفائز أَنه كسِبَ قطعةً من الذهَب الخالص (قيمة مِدالية هذا العام نحو 600 دولار)، وأَن أَسنانه، كرياضيّ، في حالة صحية جيدة. وتُضاف إِلى هذا المدلول طرافةُ التقاط الصوَر التذكارية للفائزين وهم يعَضّون مِدالياتهم بهذا الشكل الـجَماعي المرِح.

هذه الظاهرة نجدها غالبًا عند الأَولاد عضًّا بالأَسنان على أَصابعهم في حالَين: الخوف من عنصر خارجي أَو الشعور الداخلي بالذنْب أَو بالندم حَيَالَ فعلٍ اقترفوه، وفي الحالين تَفضح الظاهرة صاحبها.

من الرياضيين والأَولاد أَنتقل إِلى معظم السياسيين والمسؤُولين عندنا: هل يَشعرون يومًا بما اقترفَت أَيديهم حتى يبلغوا أَن يعَضُّوا أَصابعهم خوفًا أَو نَدَمًا؟

وربما السؤَال قبلَذاك: هل يعتبرون أَنّ ما يفعلون، حين هو مُـؤْذٍ، يولِّد لديهم الخوف من الفضيحة أَو الندَم على ما اقترفوه؟ هل يَعُون أَنه يستوجب منهم الاعتذار أَو الإِقرار أَو التصميم الذاتي الصامت على عدم التكرار؟

في دوَل العالم أَمثلة كثيرةٌ عن مسؤُولين كبار اقترفوا أَخطاء أَو خطايا وكانت لهم شجاعة الإِقرار والاعتذار من شعبهم و… الاستقالة من منصبهم الرئاسي أَو الحكومي أَو الوظيفي الذي هو مُلْك الشعب لا ملْك سلالة عائلية أَورثتْهم إِياه. وقد يكون السبب بسيطًا أَو صغيرًا أَو عارضًا، وربما ما حدَثَ لم يكن منهم أَو بسببهم لكنه حدَثَ في دائرة مسؤُوليتهم وتاليًا ضمن سلطتهم فيعمَدون إِلى الاعتذار والاستقالة.

هذه الأَمثلة الحضارية المسؤُولة في الدُوَل المكرَّسة، أَين نحن منها؟

كم حادثةٍ وقعَت عندنا كان مُـسَـبـِّــبَها مسؤُولٌ بقي في منصبه يواصل “خدمة الشعب” كأَنّ أَمرًا لم يكن؟

كم فضيحةٍ عندنا انكشفَت وكان وراءَها مسؤُولٌ حكومي أَو نيابي أَو وظيفي، سبَّبَ أَذًى للدولة والشعب، إِنما لا الدولة أَقالتْه ولا الشعب ساءَله، وبقي في مسؤُوليته بلا محاسبة ولا مراقبة؟

وما دامت الدولة إِلى تغيــيب، والشعب إِلى ترهيب، والوضع إِلى تسيـــيب، فلن نرى مسؤُولًا يستقيل إِثْر خطإٍ أَو فضيحة، أَو يعتذر من الشعب، ولن نشهد ثورةً تـتـسـبّـب بعزل مسؤُول أَو بمحاسبته.

يعني: لن نشاهد مسؤُولًا عندنا يَعَضّ أَصابعه خوفًا أَو ندَمًا، كما الحال عادةً في أَوطان تحكمُها دولةٌ حاسمةٌ تحاسب، وتقضي على سُلطة أَولياء العشيرة وزعماء المزرعة وأَسياد القبيلة.

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib