هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

“نقطة على الحرف” – الحلقة 1264
تدميرُ المجتمع من تدمير لُـغَـتِـه
الأَحد 10 تموز 2016

 

انطلقَت مع هذا الأُسبوع مهرجاناتُ الصيف داعيةً جمهورها إِلى الحضور وحجز التذاكر.

ومع قناعتنا أَنّ معظم هذه المهرجانات أَقلُّ من نسخةٍ عادية لـحفلاتٍ غنائية فردية يُـحيـيها مغنُّون ومغنِّيات في مطعمٍ أَو فندقٍ أَو مقهًى أَو حفلاتِ زواجٍ أَو مناسباتٍ خاصة في لبنان أَو الخليج، ومع قناعتـنا كذلك أَن معظم الأُغنيات التي سَــ”يُـتحفنا” بها أَصحابها في المهرجانات ليست سوى عندياتِهم المأْلوفة التي يكرِّرونها في حفلاتهم المطعمية أَو التلـفـزيونية ولا جديد فيها سوى تكرارها الـمُمِلّ، نتوقَّف عند سؤَالٍ جَليّ: في الإِعلانات الطُـرُقية والإِذاعية والتلـفـزيونية عن هذه المهرجانات، ما الحكمةُ من الترويج لها باللغة الإِنكليزية، وبِلكْنةٍ رَخْوَة ولفْظ أَعوج أَعرَج حتى لَيَعصى فهمُ ما يقول المذيع لكثرة ما يُرخي لسانَه وهو يُعلن عن المهرجانات ونجومها وتواريخها؟

إِذا كان الإِعلانُ بالإِنكليزية يتوجَّه إِلى الأَجانب والسيَّاح، فالأَجانبُ والسيَّاحُ لن يتسابقوا ملهوفين إِلى حضورِ حفلاتٍ لن يَفهَموا منها ما يُغَنِّـي مُؤَدُّوها.

وإِذا كان الإِعلانُ لحضرة المغتربين الأَعزّاء، فلن يُغْريَهم الإِعلانُ بالإِنكليزية كي يَحضروا إِن لم يكُونوا راغبين في الحضور.

وإِذا كان الإِعلانُ للُّبنانيين المقيمين، فمِن البطَر الإِعلانُ لهم بالإِنكليزية على لافتات الطرُق مع صُوَر فنانيهم المحبوبين وتحتَها أَسماؤهم بالأَجنبية ومواعيدُها اللغوية بالأَجنبية. فمِن الظواهر المستغرَبَة -كي لا نقول المرفوضَة – أَن يَــقرأَ الفرنسيُّ إِعلانًا بالصينية للفرنسيين عن مهرجان في باريس، أَو أَن يَــقرأَ الإِنكليزيُّ إِعلانًا باليابانية للبريطانيين عن مهرجانٍ في لندن، أَو أَن يَــقرأَ الأَميركي إِعلانًا بالعربية للأَميركيين عن مهرجانٍ في واشنطن، أَو أَن يَــقرأَ أَيُّ مواطنٍ في العالم إِعلانًا في غير لغة بلاده عن مهرجانٍ في بلاده.

فلماذا إِذًا هذه الـخَـرْعةُ البشِعة، هذه الـهَرقَةُ التافهة، هذه الموضةُ السخيفة، هذه الظاهرةُ الاستعراضية البائخة في الإِعلان عن المهرجانات في لبنان باللغة الإِنكليزية: نصوصًا مقروءةً على لافتاتِ الطُرُق، أَو تسجيلاتٍ مسموعةً في الإِذاعات والتلفزيونات؟

ولماذا هذا التقرُّب من الأَجانب بعقدة النقص الدُونيَّة تجاههم: لفْظًا وحركاتٍ وتقليدًا كحركات القِرَدَة في السيرك.

لبنانُ السياحة لن يزداد سياحيَّةً لأَن شعبه يتكلَّم لغاتٍ عدَّةً، فهو أَصلًا بلد سياحيٌّ بمواقعَ تاريخيةٍ وأَثريةٍ وطبيعيةٍ يعتزُّ بها لبنان، وطبيعيٌّ هنا أَن يكون الترويجُ السياحيُّ بِلُغةٍ أَجنبيةٍ لأَنه مُوجَّهٌ للأَجانب كي يزُوروا لبنان. أَما الترويجُ بالإِنكليزية لجمهورٍ لبنانـيٍّ عن مهرجان لبنانِـيٍّ يُـحْـيـيه مغنُّون لبنانيون، فمِنَ النافل المجانـيّ كتابةُ أَسمائهم بالأَجنبية والإِعلانُ بالأَجنبية عن حفَلاتهم لجمهورٍ لبنانـيٍّ مقيمٍ أَو عربـيٍّ ضيف.

إِنها موجةٌ مريضةٌ تُسهم أَكثر فأَكثر في تدمير بُـنْـيةِ مـجتمعٍ يكادُ يُصبح هجينًا في بلادِه لكثْرةِ ما دخَـلَتْ عليه رياحٌ هجينةٌ لا هي من تراثِه، ولا هي من تاريخِ، ولا من ثقافةِ أَبنائه الذين لا يَـزدادون ثقافةً إِذا “أَظهروا براعتَهم” بـخَـلْط كلماتٍ أَجنبية متعدِّدةِ اللغات في الجملة الواحدة يُخاطبون بها أَبناءَ بلادهم.

بعضُ تدمير المجتمع يبدأُ من تدمير لُـغَـتِـه.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib