هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1255
مَن هُم “أَهل بــيــروت”؟
الأَحد 8 أَيّــــــــــــــــــــــــار 2016

          كنتُ أُصغي أَمس الأَول من “صوت لبنان” إِلى إِعادة حلقة “مِن دفاترهم” مع الراحلة نُهاد سعَيد تروي ولادتَها في البَسْطة قرب مستشفى محمّد خالد، في “هذا الحي البيروتي الراقي” كما سَـمَّـتْهُ، ونشْأَتها بين الوالد – المحامي بطرس جرمانوس شريك سامي الصلح في مكتب المحاماة -، والوالدة – أَدال صديقة فائزة زوجة رياض الصلح-، وتَـتَـلْـمُذَها في مدرسة البُزانسون على لور مغيزل نَفَثَت فيها الروحَ اللبنانية، وسائرَ صباها في جـوٍّ لبناني وصفتْه بــ”الهانئ السعيد في بيئةٍ مشتركة بين مسيحيين ومُسلمين ودروز وشيعة وبعض يهود تُـجّار، لم نكن نسأَل عن طائفةٍ ولا نفرّق في دين، فأَعيادنا واحدة: نعيش مع جيراننا أَجواءَ رمضان ويعيشون معنا أَجواء الميلاد”.

          هذه صورة مثالية عن امرأَة “بيروتيةِ الولادة والنشأَة” تكبُرُ بجذُورها في مجدل العاقورة وتعتـزُّ بِـحياتها كلِّها في بيروت، وتفخَر بِـمسيرتها السياسية زوجةَ طبيبٍ ونائبٍ ورثَت عنه النيابةَ الـجُــبـيـلـيـة والسياسيةَ اللبنانية، وتباهي بأَثَر البَسْطة وبيروت على حياتها ومسارها.

          كنتُ أُصغي إِلى “الستّ نهاد” وأُقارن بين غَيريَّـة ما كانت تَشهَد وأَنانية ما تَشهَد بـيروت طيلة الأُسبوعين الأَخيرَين من حملاتٍ انتخابـية بلدية يتنافس فيها فريقان يدّعي الأَول بأَنْ “تبقى بيروت لأَهلها البيارتة” ويدّعي الآخر بأَنّ “بيروت مدينتي”. ومع التسليم مبدئـيًّا بصدْق نوايا المرشَّحين من الفريقين، إِلّا أَنّ شعارَيهم أَنانيّان إِذ هُمُ تقاسموا بيروتَ لهم فقط فيما هي بيروتُــنا جميعًا، بيروتُ كلّ لبنان، استأْثروا بها لأَغراضهم المحلية الانتخابية في حملةٍ رفعَت للناخبين شعاراتٍ واعدةً باسم “أَهل بيروت”.

          ولكن… مَن هم فعليًّا “أَهل بيروت”؟

هل الذين هجَروا بيروت في أَزمتها وحروبها واقتاتوا من معجنها وتركوها في ضائقتها ثم عادوا إِليها حين انقشع عنها الخطر، وأَخذُوا يصيحون بأَنهم “أَهل بيروت”؟

أَم هُم الطـيِّبون الحقيقيُّون الذي وُلدوا في بيروت وسكنوا في بيروت وعاشوا في بيروت وأَحبّوا بيروت وخدموا بيروت وحـَمَوها من هجمات الغول فلم يتركوها، ويدفعون الضرائب في بيروت ويُسْهمون في إِنماء بيروت؟

هل هم الذين كانت لهم بيروت ملْجأً أَو فندقًا أَو محطّة؟

أَم هُمُ أُصلاءُ أَوفياءُ لبيروت أَعلنوا انتماءَهم إِليها ووفاءَهم لها (الأَخطل الصغير، نزار قباني، محمود درويش، عاصي ومنصور الرحباني، سعيد عقل،…) ولو انّهم لا يقترعون في بيروت بلديًّـا ولا نيابـــيًّا؟

          أَهل بيروت ليسوا فقط “البيارتة” ذوي سجلّ النفوس في بيروت، ولا مَن يصيحون “بيروت مدينتي” لأَنهم يقترعون في أَقلام بيروت. كان يجب تغييرُ الشعارَين لأَنّ الحقيقة، قبل الانتخابات وإِبَّـانها وبَـعـدها، هي عند مَن يخدم بيروتَ الأُم، بيروتَ العاصمةَ الجامعة، بيروتَ كلّ لبناني يعرف عظمة بيروت، بيروتَ نجمـتَـنـا، بيروتَ شمسَنا، بيروتَـنا جميعًا، غالـيـتَـنا جميعًا، مديـنـتَـنـا جميعًا، راعِـيَـتَـنا جميعًا، بيروت نُهاد سعَيد وكل نُهاد سعَيد تباهي بأَنها من “البيارتة” وتعلن “بيروت مدينتي” بدون أَن تكون هُويَّـــتُــها الوحيدة صندوقة الاقتراع.