هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 910
“مَـغْــنَـجَـانَـات” الصيف (2/2)
السبت 3 تشرين الأَول 2015

          في منطق المهرجان أَن “يُنتِج” أَو أَن “يُشْرف على إِنتاج” عملٍ جديدٍ، تمويلاً أَو احتضاناً، ليتشرَّف العمل أَن تكون انطلاقتُه الأُولى، محلياً ودُولياً، من هذا المهرجان أَو ذاك، فيرقى العمل ويرقى به المهرجان.

          وفي معايير المهرجان أَن يتوفَّر له مُخرج محترف وفريق عمل سينوغرافي وتقني وفني، وأَعلام غناء وتمثيل وكوريغرافيا، حتى تتكامل عناصرُه المشهدية، مسرحياً أَو غنائياً، وتكون الحلبة مجهّزةً لاستقبال عمل كبير، يستحق أَن يتحرّك إِليه جمهورٌ يقطف منه متعة النظر والسّماع والتذوُّق الفني، والانتقال إِلى مكان الاحتفال، ولقاء مساحة واسعة من مشاهدين قاصدين المكان كي ينعموا بمعايــير “المهرجان”: أن يكون في ريبرتوار منظّميه ومؤديه علامة عالية مسجَّلة لهم.

          غير أَن القسم الأَكبر من الحاصل عندنا طيلة الصيف يخرج عن هذه المعايـير ليقدّم ليالي غنائية “ترفيهية”، في بعضها بَهرجاتٌ ضوئية أَو مشهدية خلف المغنّي أَو المغنّية، تَبهر النظر – وقد تضايقُه – ولا تضيف شيئاً إِلى رصيد مغنّين مأْلوفين عادةً لجمهورٍ شاهَدهم في حفلة داخل فندق أَو مطعم، أَو في حفلة خاصة (عرس، طهور، عماد، …) أَو في مقهى تتنافس فيه الأَراكيل مع الغناء ورائحة المشاوي، فإِذا بهذا البرنامج ذاته ينتقل بأَصحابه وأَغانيهم صيفاً إِلى مكان أَوسع يطلقون عليه هذه المرة اسم “مهرجان”.

          وتزيد من التضليل مواكبةُ وسائل الصحافة والإِعلام هذه الـ”مَـغْــنَـجَـانَـات” فتُغدق على “نجومها”(؟!) عبارات التقريظ ومقالات المديح وأَلقاب التكريم حتى يظنّ القارئ أَو الـمُشاهد أَنه أَمام عملٍ ذي مستوى عالٍ. وتؤكِّد هذا التضليل إِعلانات تلـﭭـزيونية ترويجية تكون جزءاً من العقد مع المغنّين والمغنيات ومع المحطة التلـﭭـزيونية لقاء تصويرها “المهرجان” لعرضه لاحقاً، فيختلط الجيّد بالمبتذَل، وتضيع المعايــير، وتتعالى البهرجة لوُجوه “نجوم غناء” يَنقُلون أَغانيهم هي هي، وكما هي، من مقهى إِلى فندق إِلى سهرة تلـﭭـزيونية إِلى… “مهرجان”، في أَسواق استهلاكية ضاع فيها القمح مع الشعير، والراقي مع الرخيص، استجداءً لشباك تذاكر ليس للوقفة أَمامه أَيُّ قيمة فنية بل المعيار عددُ البطاقات المباعة وتهيـيص الجمهور الـــ”عاوز كده” بكلّ ما في هذه الـ”كده” السخيفة من ضياع القيمة والمستوى والفن العالي.

          قبل نصف قرن، كان لبنان ضوءَ المهرجانات الكبرى الراقية الرائدة في الشرق العربي، يقصدها جمهورٌ من كل لبنان ومن دُوَل الجوار. ومن العيب أَن تُمسي مهرجاناتُه اليوم “مَـغْــنَـجـانـات” تلـﭭـزيونية إِنما على المسارح: حفلات عادية لسهرات عادية مع “نجوم”(!؟) أَقلّ من عاديـين لا يرضاهم في كومـﭙـارس معياره الفنّي أَيُّ مهرجان.

          ___________________

            * “النهار” السبت 3 تشرين الأَوّل 2015