هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1222
مُــشْــتَــقَّــاتٌ وطــنــيــة
الأَربعاء 23 أَيلول 2015

      في جُملةِ ما توفِّرُهُ اللغة لـخدمة مستخدميها: إِمكانُ الاشتقاق. والاشتقاقُ، لغةً: “أَخْذُ كلمةٍ من أُخرى مع تَناسُبٍ بينَهُما في المعنى، ولو تغيَّر اللفظ”. وعدَّد النحويون سبعة مشتقات هي: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، اسم التفضيل، اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلة. وقالوا إِن أَصل المشتقات جميعاً المصدر.

      وفي نظرة عجلى إِلى ما يجري حولنا في البلاد، نرى مشتقات كثيرةً يستخدمها سياسيون ومسؤُولون وشعبيون من غير مصدرها وفي غير مكانها، ويُدْلُون بها – عَمْداً أَو جَـهْـلاً – على أَنها القَولُ المناسب في المكان المناسب.

          ويحصل ذلك في أَروقة الحكْم كما في الشارع، فنتابع لقاءاتٍ واجتماعاتٍ رسميةً يُفْتَرَضُ فيها أَن تأْتي بحلول للأَوضاع فلا تأْتي إِلاَّ بكلامٍ رماديٍّ ضبابـيٍّ كأَنَّ ما في الداخل كان “حوار طرشان”، ونتابع في الخارج تظاهراتٍ ومَسيراتٍ ويافطاتٍ واحتجاجاتٍ ومطالباتٍ واعتصاماتٍ وصياماتٍ تتلاطمُ فيها شعاراتٌ وأَفعالٌ ورُدودُ أَفعال وعباراتٌ مشتقَّةٌ من كلماتٍ معظمُها أَجوَفُ من حقيقة الاشتقاقات، مع أَنّ اللغة تُجيز المشتقّات في الزمان والمكان والأَفعال.

          هكذا، عوضَ أَن تشمُلَ الاشتقاقاتُ إِبّان الحوارات مشتقّاتٍ مفيدةً للشعب والبلاد، كالبحث في مشتقّات النفط، والمشتقّات الزراعية، والمشتقّات الصناعية، والمشتقّات الأُخرى الضروريِّ بَــتُّـها سريعاً قبل فوات الأَوان، نتابع اشتقاقاتٍ ومشتقّاتٍ وانشقاقاتٍ في شوارعَ متفرِّقةٍ وساحاتٍ متعدِّدةٍ ودُرُوبٍ متشعِّبَةٍ، وتتلاطَمُ الكلماتُ والمصطلَحاتُ والمسبِّباتُ والتلفيقاتُ التي تُنذِرُ بفاجعةٍ وطنيةٍ أَن يقعَ الانشقاقُ الأَكبر في جسَد الوطن وعندها لن تعود تَنفعُ تنظيراتٌ وعلاجات.

          وهكذا تـنزاح الاشتقاقاتُ عن مصادرها الأَصلية، فيصبح الوسط التجاري “سوق أَبو رخُّوصة”، ويصبح اجتماع الأَقطاب “طاولة حوار”، ويصبح الرشْق بالحجارة “حرية التعبير عن الرأْي”، ويصبح المطمَر مكاناً مستَـغَـلاًّ لا لطمْر النفايات بل لطمْس الحقائق والوقائع والتجاوزات، ويصبح كلُّ متفلسف “خبيراً بيئياً” و”مُـحلِّلاً سياسياً” و”مفكِّراً وطنياً”، ويُصبِح “الهاشتاغ” انفلاتاً سافراً للشتائم والمسبّات، وحتى لفظُ الكلمات يصبح خطَأً شائعاً ومُتَدَاوَلاً في الخُطَب والتحليلات والإِعلام، فإِذا الحَرَكَةُ والحَرَكَات تصبحُ “حِراكاً” والأَصح أَنها “حَراك”، ولا تنتهي لائحة الأَخطاء والخطايا والخطَوات على حساب الصحيح والصّح والصِّحة في اللغة والاشتقاقات والمشتقّات حتى يكادَ يغدو الوطن كلُّه هَوْبَرَاتٍ شعبيةً ورسميةً، واشتقاقاتٍ لغويةً وسياسيةً وتخديراتٍ لفظيةً أَخطرُ ما فيها أَنّها “مشتقّاتٌ وطنيةٌ” لا تؤَدِّي إِلى اشتقاق خلاصٍ لـِـلْوطن.