هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 903
الـ”فايسبوك”: ما الممنوع؟ ما المشروع؟ (2/2)
السبت 8 آب 2015

          بدأَت منذ فترةٍ مؤَسساتٌ كُبرى في أَميركا الشمالية وأُوروﭘــا تفرضُ الاطِّلاع على حساب “فايسبوك” كُـلِّ متقدِّم بطلَب وظيفة، لأَن الـ”فايسبوك” دليلٌ على شخصية صاحبه ومستواه الذهني وسلوكه الاجتماعي (على قاعدة “مِن تصرُّفاتِهم تعرفونهم”). فبين مَن ينشر في سياقٍ جادٍّ أَخباراً رصينةً، ومعلوماتٍ مفيدةً، وكتاباتٍ لائقةً له أَو لسواه، أَو إِعلاماً عن خبر أَو حدَث أَو مناسبة أَو نشاط، ومَن ينشُر تهريجياً سخافاتٍ تافهةً وثرثراتٍ فوتوغرافية ومناسباتٍ شخصيةً وأَخباراً رخيصةً وصُوراً ﭘـورنوغرافية، يتّضح الفارق في مستوى الـ”فايسبوكيين” وشخصيّتهم وأَخلاقهم بين رصينٍ وتافه.

          وتَظهر وقاحة هؤُلاء (أَو، تخفيفاً: لامسؤُوليتهم) حين يَنشُرون صُوَراً تجعل الخاصَّ عاماً، والشخصيَّ علَنياً، من دون استئذان من يَظهرون في الصورة إِن كانوا يرغبون أَو يَسمحون بنشْر صورتهم في المناسبة أَو النشاط، أَو إِذا هُم في هيئةٍ تليق بظُهورهم في صفحةٍ تَنشر صوَرهم عشوائياً كيفما اتَّـفق بدون مراعاة شخصهم أَو شخصيتهم أَو مركزهم الاجتماعي، ولا يرغبون في الظهور على موقع “تَواصُل اجتماعي” يتحوَّل فَـخَّ “تَواقُح اجتماعي” ينشر الصورةَ برعونةٍ على ملايين الناس، بدون اعتبار ما يحتمل هذا النشرُ غيرُ المسؤُول من تأْويلات يسري تداوُلُها وترتدُّ على مَن في الصورة بما لا يليق بهم ولا يرغبون فيه.

          هذا العملُ اللامسؤُول يتجلّى في مبادرة الـ”فايسبوكيين” إِلى النشر أَو إِعادة نشْر صوَر في مناسبات اجتماعية شخصية وفردية وعادية يتسوَّلون بها أَهميةً لهم أَو جذْبَ الانتباه إِليهم أَو إِلى شخصيات معروفة يَهُمُّهم أَن يُخبروا أَنها كانت بين مدعوّيهم، أَو يستغلُّون واسطة الـ”فايسبوك” السهلةَ والسريعة لنشْر نِكاتٍ حقيرة، وأَخبارٍ تافهة بلْهاء (وأَحياناً أَكاذيبَ وادِّعاءات)، وتناقُل صوَر فردية أَو جَماعية لا قيمة لها ولا تهُمُّ أَحداً، تتوزَّع على آلاف الآلاف مِـمَّـن لا علاقةَ ولا اهتمامَ لهم بها فيسرعون إِلى محوها أَو الاعتذار من الرصينين في حسابهم على أَنها ظهرَت بدون إِرادتهم على صفحتهم وهي لا تليق بهم ويرفضون نشرها أَو تناقُـلَها.

أَيُّ وقاحة هذه: اغتصابُ الحياة الشخصية وعرضُها مشاعاً عاماً يتداولُه جميع الناس فتفْقد طابعَها الشخصي والحميم وتُصبح مُلْكاً مجانياً رخيصاً للآخرين يُطلقون منها تأْويلات وإِشاعات قد ترتدُّ مؤْذيةً على أَصحابها غصْباً عنهم وبدون إِرادتهم، وتُعَـرِّضُهم للعيون والثرثرات والنوايا الخبيثة من دون أَساسٍ ولا جدوى.

          أَعرف أَنّ رأْيي هذا لن يُرضي معظم الـ”فايسبوكيين”، لكنني أَعرف أَيضاً أَنه يتلاقى ورأْي الرصينين مِـمَّـن يجعلُهم هذا الـ”فايسبوك” عُـراةً من الخصوصية معروضين مجاناً أَمام عيون الناس.