هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1215
بابل العصر
الأَربعاء 5 آب 2015

        “المنتدى الاقتصادي العالمي” (تأَسَّس في سويسرا سنة 1971ويضم مجموعة من كبرى الدول الأُوروﭘــية) يُصدر سنوياً منذ 2004 تقريراً عن “التنافسية العالمية” يفصّل في 144 دولة من العالم أَداءَ الحكومات وفعاليّتها وثقةَ شعبِها بها من حيثُ كفاءةُ العمل الحكومي، والابتعادُ عن البـيروقراطيات، وتَبَنّي أَحدث وأَسرع الوسائل في إِنجاز المعاملات وتصريف شؤُون الدولة.

          صدر التقرير الأَخير قبل أُسبوعين وفيه أَنّ قطر حلّت في المرتبة الأُولى عالمياً وحلَّت الإِمارات في المرتبة الخامسة بعد سنغافورة وفنلندا وهونغ كونغ. وحدَّد التقرير مقياس الأَداء الحكومي الناجح بأَنه “وقفُ الهدر في الإِنفاق العام، ونموُّ المؤَشِّر الاقتصادي، وقدرةُ البلَد التنافسية، والشفافية، والتنظيم، وغياب البيروقراطية البليدة”.

          وبين أَسوإِ عشْر دُوَل في العالم أَداءً حكومياً حلَّ لبنان وبعده ليبيا.

          موجِعٌ هذا الأَمرُ مرتين: الأُولى أَن تشمُلَ النتيجةُ السيئةُ لبنان، والأُخرى أَن تأْتي هذه النتيجة وسْط زوغة لبنان هذا الصيف مهرجاناتٍ في كلّ مدينة وبلدة وضيعة ودسكرة، ما يعكُس حركةً سياحيةً فريدةً في دول الجوار والمنطقة.

          ويَجمَعُ بين الـمرَّتَـين عاملٌ واحد: الأُوركسترا. ففي الأُوركسترا آلاتٌ كثيرةٌ وكلُّ آلةٍ تعزف وحدَها ما مكتوبٌ لها في النوطة، لكنها تتّحد مع رفيقاتها الآلاتِ في تناغُم الأُوركسترا، وهو ما يحصلُ في مهرجانات لبنان هذا الصيف. على أَن هذا الاتحاد الأُوركسترالي الناجح موجودٌ على المسارح لا في القصر الحكومي، حيثُ كل واحدٍ في الأُوركسترا يعزف نوطته الخاصة فيُعطِّل البلَد ويكون نشازٌ وتكونُ فوضى ولا يعودُ الأَداءُ منضبطاً فتنفرطُ الوحدة في الأُوركسترا ويفسد الجـوّ وتتشظّى تصويتاتٌ سيئةٌ ويخرج الجميع من الباب ويدخل البلد في الاضطراب.

          هذه الموجة في انفراد الآلات تُصدِرها فِـرَقٌ موسيقيةٌ تعزف الراب والجاز والـﭙـوب ميوزيك والهارد ميوزيك فلا نغمةٌ تُعانق أُختَها ولا نوطةٌ تنساب في السياق، وتتلاطمُ أَصواتُ آلاتٍ نحاسية ووترية وطبول ودفوف وضجيجٍ ينتهي، لِـمَن لا يحتمل هذا النوع، بصُداع الناس، فكيف بضجيجٍ سياسي شبيهٍ يُؤَدّي إِلى صُداع الوطن؟

          بلى: مؤْلِـمٌ تقريرُ “المنتدى الاقتصادي العالمي”، على صحة ما فيه، بـما نشهده اليوم في حكومتنا من شَدِّ حبالٍ وعَضّ أَصابع وعَرْض عضَلات وتَـمَتْرُسٍ في العناد وتهديداتٍ مرةً بالشارع ومرةً بالمقاطعة ومرةً بالامتناع عن التصويت، فلا حوار بين آلاتِها، حتى بات القصر الحكومي “بُرج بابل” العصر: لا يَفهم أَحدٌ لغةَ الآخر، ولا يراعي أَحدٌ رأْيَ الآخَر، فيـأْتي الواحدُ حاملاً تعليماتِ سيِّده يضرِبُ بها الطاولةَ والجَــوَّ والاجتماع فيُسْدِل قائدُ الأُوركسترا عصا القيادة قبل انسدال الستارة، لأَن القاعة فرِغَت من الجمهور الذي يَــئِــس من الانتظار فأَخلى الساحة لِـمُعطِّــلي الساحة وغَرِقَ الناسُ في بيوتهم ينتظرون الفَرَج من باب الفرج الخارجي.

          على مسارح مُدننا وبلداتنا وقرانا مهرجاناتٌ كثيرةٌ تؤَدّيها أُوركستراتٌ مختلفةٌ إِنما متناغمةٌ آلاتُها، وفي القصر الحكومي أُوركسترا واحدة لمهرجانٍ واحدٍ متضاربةٌ آلاتُه، كلُّ آلةٍ تنفرد بنشازِها في تعطيل الأَداءِ الذي أَدّى بنا إِلى أَن نكون، في تقرير “المنتدى الاقتصادي العالمي”، بين أَسوإِ دُوَلِ العالم فشلاً حكومياً أَفقدَ الشعبَ ثقتَه بحكومته أَداءً وهَيبةً وتشكيلةَ أَعضاء.