هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 232
“قُــبُلات عن بُعد”
الأَحـد 2 آب 2015

Raff Ellisلا تزال “الساغا” اللبنانية الطويلة تستدرُّ حبراً وذكرياتٍ وكُـتُباً ينسجها أَبناءُ الجيل الثاني وحتى الثالث من اللبنانيين الذين هاجر أَهلُهم من شط بيروت إِبّانَ الرُّبع الأَخير من القرن التاسع عشر والرُّبع الأَول من القرن العشرين.

          هي هذه حال الكاتب الأَميركي اللبناني الأَصل راف إِيلّيس في كتابه “ قُبُلات عن بعد ” (“Kisses from a Distance”) الصادر بالإِنكليزية في 312 صفحة حجماً كبيراً في سلسلة “جسر الثقافات” لدى منشورات “كْيُوْنْ” (في سياتل- ولاية واشنطن) وهي المتخصصة في نشر كتُب عن الشرق الأَوسط، ومعظمُها عن الاغتراب اللبناني.

          غلاف الكتاب: العلَم اللبناني وفي وسطه الأَرزة. وفي عنوان ثانوي للكتاب أَنه نتيجةُ “اكتشافٍ غيرِ متوقَّع ساعد على تَقَصّي هجرة عائلة لبنانية إِلى أَميركا”. وهذا الاكتشافُ غيرُ المتوقَّع حصَل بالمصادفة حين وَجَدَ المؤَلِّف بعد وفاة والدته نحو 200 رسالة في صندوق لأَغراضها، موجَّهَةٍ إِليها من أَهلها وأَصدقائها وأَنسبائِها في لبنان، وفيها وصفٌ مفصَّلٌ لحالة البلاد في تلك الحقْبة بدءاً من سنة 1925.

          مطلعُ الكتاب شجرة العائلة الوالدية لآل كميد، وأُخرى لآل حبيش والخازن. ويتَّضح من صفحات الكتاب أَنها مسيرة والدَيْن: توفيق طراد كمَيد من بْقَعْتُوتة (الضيعة الجبلية الوادعة في أعالي كسرون) وأَنجال يوسف نعمةالله حبيش من غزير (البلدة الريفية في فتوح كسروان). ويبدأُ الكاتب تلك السيرة عند حادثة خطف جدَّته أَدالاَّ الخازن من الدير سنة 1895 وزواجها القسري من جدّه وسفرِهما معاً إِلى أَميركا هَرباً من الجور العثماني الذي أَودى لاحقاً بابْنَي عَم أَديلاَّ: فيليب وفريد الخازن شهيدَين إِلى حبل المشنقة بأَمر جمال باشا سنة 1916. ويَزخر الكتاب بالأَمثال اللبنانية المحكية والحكايات اللبنانية المرويَّة التي لَـمْلَمَها الكاتب في تلك الرسائل إِلى أُمّه من لبنان، وجَمَع قسماً منها خلال زياراته لبنانَ مراراً يتحرّى عن جُذُوره من قرى ورَدَ ذكْرها في تلك الرسائل، صاغ منها كتابه في 41 فصلاً، لكلّ فصل متعتُه وأَشخاصُهُ وحكاياتُهم نَسجَها صفحاتٍ ممتعةً من كفاح اللبنانيين في المهجر، وما لاقَوه من عذاب وضنى لشَقّ مكانهم بين الجوالي الأُخرى ومحاولاتِهم الاندماجَ في مجتمع أَميركي كان يسميهم “توركو” أَو “سوريين” قبل انبلاج دولة لبنان الكبير سنة 1920.

          وفي المقدمة أَن “الناشر يعتزُّ بنشر هذا الكتاب الجميل النوستالجيّ الذي لا يَقتصر على سَرد مسيرةِ عائلةِ المؤَلف بل من خلالها يَروي مسيرةَ عائلات لبنانيةٍ كثيرةٍ في المراحل الأُولى من الهجرة اللبنانية، ما يجعل هذا الكتاب وثيقةً تاريخيةً غنيةً مكتوبةً بشكل روائي بارع، وبأُسلوب لا يقتصر على سرد تواريخ وأَحداث وأَسماء بل نسيجِ مذكراتٍ نابضة بأَطرف الأَخبار وأَمتع الـمَشاهد وأَلذِّ الذكريات على ما في بعضها من مرارةِ معاناةٍ وصعوباتِ تأَقْلُم. إِن منشورات كُيُوْنْ فخورةٌ بأَن تَنشر هذا الكتاب إِلى العالم”.

          الكاتب راف إِيلّيس (واسمه الأَصلي رفيق) من مواليد نيويورك، عمِلَ سحابةً من عمره في حقل التكنولوجيا ثم تقاعدَ وانصرف ثماني سنواتٍ كاملةٍ لوضْع هذا الكتاب مُسْتَلاًّ من تلك الرسائل إِلى أُمه ومن زياراتٍ عدة جاء فيها إِلى لبنان يَستقصي أَخباراً عن عائلته الأُمّ. وفي أَميركا حملَت العائلة اسم الجدّ الياس كميد فأَبقت على اسمه الأَول الياس وتحوّل أَميركياً إِلى “إِيلّيس” كما تَحوَّل رفيق إِلى راف، وتَحوَّل شقيقُه خليل إِلى كايل وهو كان حتى الأَمس القريب نائِب رئيس جامعة ﭬــيلاّنوﭬــا في ﭘــنسيلـﭭانيا.

          “قُــبُلات عن بُعد“، سِفْر حَـنينيٌّ جميلٌ في مسيرة عائلةٍ لبنانيةٍ شقَّت طريقَها إِلى الولايات المتحدة أَيام كانت الهجرة نزْفَ لبنان في العالم، تَعْذُبُ العودة دوماً إِليها كتُباً وذكرياتٍ عن شرايين هذا الوطن اللبنانيّ الذي انطلق أَبناؤُه من مساحتِه الضئيلة في هذا الشرق، ليَزْرعُوه في العالم قارَّة لبنانيةً لا تَغيب عنها الشمس.