هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1207
هندبة خضراء وملعقة زيت زيتون و… ان شاالله بـرئيس
الأَربعاء 10 حزيران 2015

بين خصالٍ “غير حميدة” تَطبَع اللبنانـيّ: تَنَطُّحُهُ الفوري لنُصْح الآخرين، وتَبَرُّعُه المباشِر لوصفة طبية أَو صحية، وتَدَخُّلُهُ العشوائي – ولو لم يُدْعَ – في حدَثٍ أَو حادثةٍ أَو حالةٍ طارئة، فينوب عن طبيب أَو معالج فيزيائي أَو صيدلي أَو اختصاصيّ خبير متمرّس في مهنةٍ أَو دُربةٍ أَو صَنعةٍ أَو صناعة.

          هذه صِفةٌ شبهُ عامة لدى اللبناني، يُغدقُها على صديق أَو زميل أَو قريب أَو غريب، نَصائحَ مرتجلة أَو اقتراحات غريبة أَو مبادرات طبّــيّة أَو مهنيّة أَو صحية أَو اجتماعية أَو عامة، عادةً ما تكونُ مضرّة مؤْذية سامّة لِـمَن يتلقّاها ويعمل بموجبها فينهار وضعه أَو تتدهور صحته أَو يَسُوء خاله، وربما أَدّى به سماعُهُ النصيحةَ إِلى خراب بيته أَو عمله أَو مهنته بسبب عرض حالته، أَو مِن تَـلَـقِّـيـه نصيحةً عنها، كي لا نبالغ فنقول إِنّ تلك الوصفات الخنفشارية يمكن أَن تؤَدّي إِلى الموت.

هكذا “يجترح” المتنطحون وصفةً همايونيةً جاهزةً رائزة لأَوجاع الرأْس أَو الصُّداع النصفيّ أَو التهاب المفاصل أَو الأَلم المعَوِيّ، فيصفون لها علاجاً يحْلِفون بجميع القدّيسين والأَولياء أَنْ سبقَ وانتفَع منه قريب أَو صديق أَو جار.

          وهكذا مُعظمُ اللبنانيين غير العارفين وغير المتمرِّسين يُدلون بآرائهم الدونكيشوتية ويَنُوبُون عن طبيب أَو صيدلي أَو اختصاصيّ تغذية، بوصْفَةِ عشبةٍ أَو عِرْق كرز أَو غَــلْــوَة بابونج أَو ضُمّة هندباء خضراء أَو ملعقة زيتون على الريق، أَو أَية وصْفة أُخرى يُرَكّبونها ويصفونها ويؤَكِّدون فاعليّتها ويسمّون عشوائياً معارف لهم امتَحنوا تلك الوصفات أَو النصائح وانتفعوا.

هذه المروءَة الـمُعَمَّمَة التي تحل مكان الطب أَو الصيدلة، لا تُخالف قوانينَ الجندرة بل تَصدر في ثقةٍ وحلْفان يمين عن رجال ونساء، فللرجال والنساء فيها فرَصٌ “متكافئة الإِبداع” في هذا المجال. لكنها مروءة تنقلب غالباً مُضرّةً يَنتُج عنها أَذى ولو عن غير قصد.

          وتلك الفُرص، على ما يبدو، لا تتعمّم على جميع الأَوجاع. فـرُغم كثرة المتنطّحين والمتبرعين والعارفين والناصحين والواصفين، ورغم كثير البحث ووفير التدقيق وأَكداس التساؤُلات ومئات التوجُّه إِلى جميع الأَعمار والاهتمامات، ورُغم هِـمّة المتبرِّعين بالنصائح والعلاجات والأَدوية والأَعشاب والوصْفات، لم يَــنْــبَــرِ أَحدٌ بعدُ ليُقَدِّم وصْفةً ناجحة نافعة ناجعة لشفاء الوطن من أَوجاع مضنية مؤْلمة مرهقة مزعجة مقلقة يعانيها: أَوجاعُ رئاسية يسمّيها البعض شغوراً والآخَرُ فراغاً، ويدّعي الجميع اهتمامهم بِـمَـلْــئِــهِ، ويَــتَّــهِمُ البعضُ البعضَ الآخَر بالتسبُّب به وعَرقَلةِ الشّفاء منه، والصُّداعُ باقٍ، والفَراغُ باقٍ، والشُّغُورُ باقٍ، والقلَقُ باقٍ، ولا خبيرَ عتيقاً مُـجَــرَّباً مُـحَـنَّكاً حاسِماً يُوشوشُ مواطناً واحداً عن هذه “الخلْطة السحرية” التي تَشفي لبنان من صداع هذا الفراغ الرئاسي العُضال.