هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 890
المهرجانات… حنينٌ إِلى المستقبل
السبت 25 نيسان 2015

 

        منذ أَيام بدأَت لِـجانُ المهرجانات في لبنان تعلن عن برامجها لهذا الصيف، وتَشي بأَننا مُقبلون على موسم لبناني غنيّ بالسهرات المحلية والأَجنبية، ولو بمستويات متفاوتة، لكنه يـبشر بحيوية صيفية تعلو على الأَخطار والمخاوف وتجذُب مواطنين وضيوفاً.

         وواضحٌ من جهود اللجان سعيُها إِلى الأَفضل عُروضاً والأَرقى مستوىً والأَجمل صورةً للموقع الأَثري أَو التاريخي أَو السياحي. ويتضاعَف فضل هذه الجهود بتحرُّكها رغم الظروف الصعبة التي تجري فيها المهرجانات، ما يقوّي نبض المشهد الإِبداعي إِزاء مشاهد متعددة من اضطرابات أَمنية وسياسية تُـحوِّم على أَرض الوطن.

         هذا دليل حيوية عالية في مجتمعنا المدني الذي يعمل وفي ذاكرته القريبة مستوى مهرجانات لبنان قبل 1975 بدءاً من مهرجان بعلبك الذي، منذ تأْسيسه سنة 1956 وانطلاق لياليه اللبنانية سنة 1957، كان تكريساً لكل فنان أَو عمل مسرحي تشهده أَدراج الهياكل.

         فترتَذاك لم تكن ليالي المهرجان مجرّد سهرات غناء أَو مسرح أَو عروض بل عصراً ذهبياً لا ينطفئُ مع أَضواء المسرح بل يُكمل مع المكان المستضيف، ومع الجمهور المقيم والمغادر، ومع إِرادة سياسية داعمة، فتتأَلّقُ الأَعمال اللبنانية والعالمية ويكتمل المشهد الثقافي الحقيقي بمكوّناته البشرية والاجتماعية والسياسية وعناصره الفنية الجمالية.

         أَيامها كان لبنان الثقافي مكانَ الطامحين إِلى المكانة، وكان جمهور تلك الأُمسيات يُنمّي ثقافته الفنية بامتدادها في التاريخ والتراث وروائع الفن من لبنان ومن أَرقى الدول، يؤَرّخها كِتَاب المهرجان بشهادات وثقى في طليعتها كلمات رئيس الجمهورية وكبار الكُـتّاب من لبنان والعالم، ويـبقى في المكتبة والذاكرة مرجعاً يغذّي الفئات العمرية كافة بجرعات فكر وأَدب وفنون.

         من تلك المهرجانات ما وُلد مع الجمهورية اللبنانية الفتية، ومنها ما وُلِد ردّة فعل على حرب مجنونة، ومنها ما تَرافَقَ مع نمو منطقة ومدينة – والأَمثلة كثيرة في البلدات والمدُن – حتى شعشع لبنان باقاتِ ليالٍ وأُمسياتٍ في أَماكن ذات دلالة أَصبحت علامةً مُـميَّزة في الفنون المشهدية والشِعر والموسيقى تكتمل بها الرسالة.

         والرسالةُ أَن يكون للمهرجان امتدادٌ اجتماعيٌّ حاضن، وهدفٌ ترفيهيٌّ تثقيفيٌّ غيرُ هابط، فيبقى زاداً لأَجيالنا الحالية والمقبلة، وتغدو المهرجانات في لبنان معالـمَ في زمانها ومكانها تُطَوِّر ثقافة شعبنا وتصقل ذائقته الحضارية.

         الرائج حالياً ذو مستويات متفاوتة بعلاماتها وأَعمالها وأَعلامها، وقليلُها يستاهل هوية الـ”مهرجان” الذي يبقى ذكْر عرضِه على المسرح، وتذكارُ كتابه بعد انطفاء الأَضواء، علامتَين حضاريّـــتين من منارة لبنان اليوم إِلى أَجيالنا الآتية تصقلان لها نضارة ذاكرتها الجماعية.