هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 881
بلى: “الحُبّ” يَــقـصِـد لا “المحبّة”
السبت 21 شباط 2015

 

        بعد صدُور “أَزرار” الأُسبوع الماضي (ترجمتي فصلَ “الحُبّ” من “نبيّ” جبران) أَنكَر عليَّ البعض اعتمادي “الحُبّ” لا “المحبّة” كما وردَت في معظم الترجمات منذ أُنطونيوس بشير.

          غير أَن مَن يقرأُ النص الإنكليزي ويعرف كيف صهر الحُبّ حياة جبران منذ جوزفين ﭘــيــبَــدي وجرترود باري فجعله أَوّل فصل في “النبيّ”، يدرك أَنّ جبران يقصِد الحُبّ لا المحبّة، ولا أَيّما حُبّ بل ذاك “المقدَّس” الذي لا يَمنح نعمتَه إِلاّ مرةً إِحدى في العمر ولو تأَخَّرت هذه المرة حتى خريف العمر. وقد لا يمنحُها أَبداً فيتوهَّـمه الإِنسان ويُقاربُه ويكتُب عنه افتراضياً صائغاً له حياة عاشقة لكنه لا يحيا به على حقيقته الصاخبة.

          الذي دروبه “وعرة وشائكة” هو الحُبّ بصعوباته اللذيذة وأَشواكه الخَلاصيّة لا المحبّة الهادئة الهانئة.

          والذي “بين ريشه سيفٌ” يَجرح، يُوجِع، يُعذِّب، يُقْلق، يـؤَرِّق، يُبْكي، يُخيف تهديدُه بـخسران الآخَر، هو الحُبّ لا المحبّة التي ليس فيها ملمح من تلك العذابات الرائعة في ثنايا الحُبّ.

          والذي “يمزِّق الأَحلام كما ريحُ الشمال تهشِّم الحديقة” فلا يرضى إِشراكاً ولا طيفاً آخر فينهال غضَـباً إِذا لَـمَحَ انتقاصاً من كماله وكُـلِّــيَّــانِــيَّــتِــه، هو الحُبّ لا المحبّة التي ترضى وتغفر وتسامح وتنسى.

          والذي “يُـتَـوِّج” بالسعادة و”يَصلُب” إِذا انجرَح فينسحب تاركاً فاجعةَ الفراغ، هو الحُبّ لا المحبّة التي تتغاضى وتكمل.

          والذي “يُـنَـمّي” بالفرح الغامر و”يُشذِّب” قاسياً فيقتلع أَشواك الذئب العتيق ولا يُـبـقي إِلاّ على بَـتْـلات النعمة، هو الحُبّ لا المحبّة التي لا أَشواك فيها ولا تشذيب.

          والذي “ينحدر إِلى الجذور يَهُزُّها ولو في قلب التراب” هو الحُبّ العاصف المجنون الذي يقتلع كلّ شائبة حتى ينفتحَ له الأُفق نقياً ولا غيمة واحدة سوداء، هو الحُبّ لا المحبّة التي تبقى على وجه التراب شريكةَ كل رضى.

          والذي “يُعرّي ويُغربل ويَطحن ويَعجن ويَصوغ الخبز المقدس” هو الحُبّ لا المحبّة التي لا فصول لها ولا نار بل هي هدوءٌ تام.

          والذي “يَطرد مَن لا يَرى فيه سوى المتعة والهناءة” هو الحُبّ لا المحبّة التي ليس فيها سوى طيب الهناءة ومتعة العطاء الـمُسالم.

          والذي “لا يُعطي إِلاّ من ذاته ولا يَأْخذ إِلا من ذاته” هو الحُبّ لا المحبّة التي تأْخذ من الآخَر وتبادله.

          بلى: إِنه الحُبّ ما يقصِدُه جبران، الحُبّ الحقيقي الذي نارُه لا ترحم إِلاّ الأَنقياء، ونعمتُهُ لا تأْتي إِلاّ مرة إِحدى في العمر ولو جاءَت في خريف العمر.

          ويا لَـعُـذُوبة ناره الـمُـحْــيِــيَــة!