هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 870
“بَــيـــتُ” الوطن
السبت 6 كانون الأول 2014

 

        نبيلةً كانت بادرةُ وزارة السياحة بإِدراج بيت الشيخ حسين الحلبي في بشامون على لائحة المواقع السياحية في لبنان، ومبادرةُ المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة بـإِدراجه على لائحة الأَبنية التاريخية. في بادرة الوزراتَين الحفاظُ عليه وحمايتُه ذاكرةً وطنية، هو الذي كان مقراً لـ”حكومة بشامون”، فيه ولدت المقاومة اللبنانية ضدّ الانتداب، فيه ظهَرَ العلَم اللبناني للمرة الأُولى وعليه تواقيعُ زعماء لبنانيين استقلاليين، وفيه رفَضَ أَعضاء الحكومة الشرعية التفاوضَ مع سلطة الانتداب الفرنسي إِلاّ بعد إِطلاق الزعماء المعتقلين في قلعة راشيا فأَطلقَت سراحهم نهار 22 تشرين الثاني 1943 ليغدو “اليوم الوطني” في ذكرى استقلال لبنان.

          علمتُ أَنّ ترميم البيت (واسمه “بيت الاستقلال”) حقَّقه أَصحابه ببادرةٍ شخصيةٍ كنا نتمنى لو قامت بها الدولة (على شحيح ما تخصّص لوزارة الثقافة من ميزانيةٍ لتقوم بهذه الأَعمال) عوض أَن توافق – يا عافاها الله – على مشاريعَ وصفَقاتٍ تخدم أَصحابها (ومعظمهم من أَهل الحكم) ولا تخدم الوطن ولا ذاكرة الوطن.

          في تاريخ الأَوطان علاماتٌ تحفظ ذاكرتها خميرةً مستدامةً لأَجيالها حِقْبةً بعد حِقْبة كي تتواصل ذاكرةُ الوطن في أَجياله المتعاقبة. وما تَـمَّ في بيت الشيخ حسين الحلبي، وكان على الدولة أَن تقوم به لا أَهل البيت، يجب أَن يتعمَّم على بيوت أَبطال الاستقلال الذي واجهوا الانتداب بشراسةٍ وحزمٍ و”لا” عنيفةٍ غيرَ هيّابين عقوبةً ولا سُلْطةَ الـ”كاترو” ولا هيبة الـ”سـﭙــيرز”.

كلُّ بيت من بيوتهم يُخْلى من سكانه ليبقى مَعْرضاً للذاكرة يضُمُّ الصُّوَر والأَغراض والأَمتعة والأَدوات وكلَّ ما يعيد إِلى أَحداث تلك الحقْبة الفاصلة من تاريخ لبنان الحديث، ويُصبح متحفاً تَـحُجُّ إِليه الأَجيال.

          فهل نحن حقاً في دولةٍ تحفظ ذاكرة الوطن؟

          هل نحن أَبناء دولة تعيش في الوطن أَم خارج الوطن؟

          كيف يمكن البحثُ عن الولاء للدولة حين في الدولة مَن يعلنون ولاءَهم لـخارج الوطن؟ وماذا تَعْني لهم معالمُ الاستقلال والوطنية حين بيوتُهم بيوتُ استغلال لا استقلال، وبيوتُ استعباد واستبداد لا معالم ذاكرة البلاد.

          يتباكَون (وهويَّةُ دموعهم معروفةٌ ومفضوحة) على خُلُوّ قصر بعبدا من ساكنه نهار الاستقلال، ولا يعمَلون (أَو غير مسموح لهم بعدُ أَن يَعمَلوا) على انتخاب مَن يَسكُن قصر بعبدا لينظِّـف البلاد من الخفافيش. فهل في فكْرهم، أَو في فكْر أَسيادهم، أَن يصبح قصرُ بعبدا كذلك من الماضي: بيتاً سابقاً من بيوت الحُكْم في لبنان؟

          الـمَعْلَمُ الوطنيُّ ذاكرة حيّة. وويلٌ لوطنٍ لا يَـحفَظ حُكّامُه ذاكرةَ الْـمَعَالِـم.