هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 868
“سيّدتي”
السبت 22 تشرين الثاني 2014

 

        “سيّدتي! وأَيُّ سعادةٍ أَن أَلفُظَ هذه الكلمة لأَستقبلَ عُضواً جديداً معنا تحت هذه القُبَّة”.

وأَكَّد عبارته: “… بما أَنّ هذا نادرٌ جداً بـيننا، سأَتلفُّظُ بالكلمة من جديد: سيّدتي”.

وأَوضحَ فَرحه في مطلع خطابه: “بسعادةٍ كبرى ومزدوجة نَستقبلكِ بـيننا سيّدةً جديدةً تنضمُّ إِلى صفوفنا: أَنكِ أَولاً سيّدة، وأَنكِ كرّستِ أَدبَكِ للمرأَة، لمواهبها، لنضالها، ولإِبداعاتها”.

          بهذه الكلمات الناضحةِ إِكباراً واحتراماً افتَـتَح خطابَه جان كريستوف روفّين باسم الأَكاديميا الفرنسية مُرحِّباً بالعضو الجديد: الكاتبة دومينيك بونا (Bona) في المقعد 33، لتكون بين “الخالدين” الأَربعين سادسَ امرأَة مع زميلاتها: إِيلين كارير، فلورَنس دولاي، الجزائرية آسيا جبّار، سيمونّ ﭬـايل ودانييلاّ سالْناﭪ.

          يعنينا من هذا الحدَث أَمران: أَن يكون انتخابُها عضواً مع “الخالدين” تتويجاً لنتاجها الأَدبي وخصوصاً البيوغرافي الذي نال جوائِز سابقة، وتتويجاً لسُطوعها طيلة عشرين عاماً (1985-2005) بمقالاتها الأَدبية الأُسبوعية في “الفيغارو”، وأَن يكون استقبالُها كـ”سيّدة” على هذا القدْر من الإِجلال للمرأَة تحت قُـبَّـةِ أَعلى هيئةٍ أَكاديميةٍ في فرنسا، وإِحدى عُليا الرديفات على الإِطلاق في العالم.

          إِنه مجدُ المرأَة الكاتبة المؤَلِّفة الأَدِيــبة يَظهر في احترام الرجل مكانَـتَـها في الوسَط الأَدبي، ومكانَها مُكرَّسَةً في مقاعد الأَكاديميا الـمُـكرَّسة، من دون أَن يكون ذلك نتيجةَ “نضالِها” للـــ”كوتا” النسائية، أَو تَعَصُّبِها النسويّ في حركات نسائية تمييزية. كلُّ ما في الأَمر أَنها خصَّصَت للمرأَة جُزءاً كبيراً من نتاجها الأَدبي بكتابتها عن نساءٍ متميّزات أَو رائدات، أَحدثُها كتابُها الأَخير “أَنا مجنونٌ بكِ”: بيوغرافيا موسَّعة لعلاقة الحب العاصف شبه السرية بين الشاعر ﭘــول ﭬــاليري والمحامية جان ﭬــواليـيه.

          هذا الأَمر يسترجع الجدَل الذي لم يَهدأْ بعدُ عمّا يسمى “الأَدب النّسوي”، جاء ينقُضُه انتخابُ بونا إِلى الأَكاديميا الفرنسية، ويدلُّ في وُضوحٍ على معيار أَنّ الكاتبةَ مبدعةٌ أَو لا، خَلاّقةٌ أَو لا، أَصيلةٌ أَو لا، بمعزلٍ عن تقسيم الجندر. حتى سيمونّ دوبــوﭬـوار لم تكن تقصُدُها حين كتبَت “الجنْس الآخَر” (1949) أَو “مذكِّرات صبيّة عاقلة” (1958). وتالياً قيمةُ الأَدب هي في ذاته: في ما يعطي وفي ما يَترك من إِضافات ومن أَثر، أَنّـى يكُن القلمُ الذي كـتَب: في يدِ كاتبٍ أَو بين أَناملِ كاتبة.

          تكريمُ المرأَة شرفٌ للرجُل، تكريمُ الكاتبة شرفٌ للأَدب، وعدمُ التمييز الجندريّ في الإِبداع شرفٌ للإِنسانية التي تتقدَّم مُــتَــتَــوْأَمَةَ الخطوات بين ما يُضيفُه إِليها الرجل وما تُضفيه عليها المرأَة.

          ويا خُلودَ أَدبٍ يُــبَــلْــوِرُهُ رجُل، وعلى تاجِه كلماتٌ تَسطَع من أُنوثَة!