هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 866
… ولن يَــنْــطَــفِــئ
السبت 8 تشرين الثاني 2014

 

        في حملةٍ ترويجية لتشجيع المطالعة أَصدرَت منشورات “سُوْيْ” (Seuil) في ﭘــاريس مُلْصَقاً إِعلانياً عليه رسمُ كتاب، وبالخط العريض عنوان: “عشرةُ دوافع مُـقْنِعة لإِهداء كتاب”، جاء في الدافع السادس: “… لأَنّ الكتاب لا ينطفئُ إِذا لم نَشحَـنْه كهربائياً”. وهذه حُجّةٌ صحيحة لأَنه نقيضُ الأَجهزة الإِلكترونية: هاتف محمول، كومــﭙــيوتر ثابت ومحمول، اختراعات تكنولوجية أُخرى، فهو “اختراع” لا يهرَم، و”جهاز” ليس يتعطّل ولا يُصبح “موضة قديمة” مهما تطوَّرَت اختراعاتُ أَجهزة العصر.

          لم ينطفئ الجدل بعدُ حول ديمومة الكتاب الورَقي وقُدْرته في مواجهة القراءة الإِلكترونية على أَجهزةٍ باتت شاشاتُها، محمولُها والثابت، صغيرُها ومتوسّطُها والكبير، وفيرةَ الخدَمات لــقُـرّاءٍ يفتحونها في الطائرة، في المكتب، في البيت، في الحديقة، وأَينما يرغبون أَن يقرأُوا، لكنّها تبقى تحت رحمة بطّاريةٍ مهما امتدّت خدمتُها يجيءُ وقتٌ تضعفُ فيه وتنطفئُ إِن لم يبادر حاملُها إِلى شحنها من جديد.

          “تحت رحمة البطارية” قلت؟ وهذا هو الواقع لأَنّ الكتاب الورقي يظلّ رفيقاً دائماً دَمِثاً متواضعاً غيرَ متطلّب، ولا يهدِّد حاملَه بانطفاءٍ ولا بشَحن، ولا بقلَقِ البحث عن تيّار كهربائي يشحَن به البطّارية. فهو ثابتٌ لا يتغيّر ولا يفاجئ، ولا ينطفئ مهما طال سكونُه على رفّ المكتبة، ومهما استطال وقتُه حـدّ السرير “كتابَ مخدَّة”، أَو بين يدَي حاملِه يتناولُه حين يشاء ويُعيده متى يشاء.

          قد لا ينطبق هذا الأَمر على الصحُف، لأَن معظم حاملي الجهاز الإِلكتروني يقرأُونها غيرَ حريصين على حفْظها أَو أَرشَــﭭـتها، بل يكتفون بالاطّلاع العابر، عكس الكتاب الذي يحفَظُونه غالباً بعد الفراغ من صفحته الأَخيرة.

          لا أَقول هذا لأُقلِّل من شأْن الأَجهزة الإِلكترونية التي باتت لنا اليوم حاجةً يوميةً ضروريةً للمتابعة: مطالَعةً واطِّلاعاً وإِرسالَ بريدٍ وَتَلَقِّيه وتبادُلَ رسائلَ سريعةٍ وتأْمينَ معاملاتٍ عاجلة ومشاهدةَ صُوَرٍ وأَفلام وسائر ما يتقدَّم به الزمن ويقدِّمه من تسهيلات إِلكترونية لا يجوز نكرانُ فاعليّتها كي نواكبَ إِيقاعاً معاصراً مَن لا يتْقنه أَو يستخدمُه يشعر أَنه خارجَ الزمن، كي لا أَقولَه متخلِّفاً عن العصر.

          ولكنْ… مهما تقدَّمَت الاختراعات بأَجهزتها وتكنولوجياها وإِلكترونيّاتها، يبقى الكتاب الورقيُّ هو الأَساس والـمرجع: هو يرفد شاشات الأَجهزة بالـمصادر والنصوص، هو عريسُ معارض الكتُب أَياً تكن المعروضات الإِلكترونية، هو الهديةُ الأَرقى والأَنقى والأَبقى حين التقدمةُ عربونُ صداقةٍ وبادرةُ رقيّ، وهو الذي لا يضَعنا تحت رحمة الكهرباء وتيّارها، والبطّارية وشحنها لإِعادة حياته، فحياتُه متوهّجةٌ دائماً بالنور ولو… على ضوء شمعة!