هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1174
الخدمة الذَّكية والخدمة البدائية
الأَربعاء 22 تشرين الأول 2014

        جاء في الخبر: “… منذ تفعيل العمل بهذا التطبيق، حَـمَّلَهُ نحوَ 85 أَلف مستخدِم على هواتفهم الذَّكية، ما ساعد على حلِّ نحو 13 أَلف حالة حتى الآن من أَصل 15 أَلف حالة أَبلَغَ عنها مواطنون”.

وجاء في الخبر:”بفضل التسهيلات الحكومية الإِلكترونية يُتَوَقَّع أَن تُقدِّم الجهات الحكومية 1100 خدمة سنة 2015″.

ولعلّ أَبرز ما يلْفِت في الخبر: “سُـمّيَ هذا التطبيق “حارس المدينة” لأَنه بين أَبرز الـمبادرات لتعزيز التواصل السريع والـمباشَر بين سكّان أَبو ظبي و50 جهة حكومية، ما يزيد التحسين في جودة الخدمات وكفاءاتها”.

هكذا إِذاً: بين المواطن في أَبو ظبي، والاستنجاد بحكومتها أَو طلب خدمةٍ سريعةٍ وعاجلة، باتت المسافة فقط ما بين الإِصبع ومكبَس الهاتف الخلوي الذكيّ، لطلب الجهة المطلوبةِ منها هذه الخدمة.

وهكذا إِذاً: بات المواطنُ يشعر بالأَمان في ظلّ دولةٍ حاضرة ناطرة لتخدم مواطنيها بأَسرع ما يمكن من تلبية.

“يشعر بالأَمان”، قلتُ؟ هذا أَحوجُ ما يكون إِليه المواطن اللبناني الذي يَشعر بالغُربة القاتلة بينه وبين دولته.

وقد تكون كلمة “الغربة” هنا مُـخَفَّفَة مُلَطَّفَة مُهَفْهَفَة أَمام الكلمة الحقيقية التي هي: الغياب.

المواطن اللبناني يَشعر بغياب دولته عن حاجاته.

لا يراها على الطريق، خصوصاً حين تُمطر بضعُ غيماتٍ بضعَ زخّاتٍ فتَسيلُ الطرقات وتغرقُ السيارات وتتجمَّد الأَوقات في غابةٍ حديدية من الآليات.

ولا يراها في بيته، خصوصاً حين تنقطع الكهرباء وتَقطَع ظهرَه فاتورةُ المولّد، أَو تنقطع الـمياه وتَقطَع ظهرَهُ فاتورةُ الصهريج.

ولا يراها في شبكة الاتصالات، خصوصاً حين عليه أَن يتّصلَ مراراً في الدقيقة الواحدة لإِكمال مخابرةٍ واحدة.

ولا يراها في خدَمات معظم الدوائر الرسمية، خصوصاً حين يتنقّل بين دائرةٍ نائية وثانيةٍ بعيدة وثالثةٍ أَبعد، لإِنجاز معاملةٍ واحدة على طرقاتٍ مزدحمة لا تتيح له الوصول إِلا إِلى دائرة واحدة كلّ يوم.

جاء يومٌ بدأَ فيه درسُ مشروع اللامركزية الإِدارية كي يخفَّ العذاب عن تَنَقُّل الـمواطن، ولا يزال المشروع في الأَدراج منتظراً بَـــتَّــهُ في مجلس النواب، وحالُ المجلس كما حال كلّ البلد: من تعطيل إِلى تعطيل، ومن تأْجيل إِلى تأْجيل، ومن تأْويل إِلى تأْويل.

لا خدمةَ في وجه المواطن اللبناني إِلا الخدمةُ البدائية.

ولا خدمةَ في بلاد الناس إِلا الخدمةُ الذكية.

وبين هذه وتلك، يَـمُرّ العمْرُ بالمواطن اللبناني وهو ينتظر “غودو”، لعلَّه في العُمْر المقبِل يَـنقُلُه بأُعجوبةٍ من الخدمة البدائيّة إِلى الخدمة الذَّكيّة.

________________________________

http://claudeabouchacra.wordpress.com/2014/10/25