هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرفٌ من كتاب- الحلقة 189
“تاريخ مدينة صور الحضاري”- حسن دياب
الأَحَـــد 5 تشرين الأَوّل 2014

TYR

      ليس جديداً علينا أَن أَطلَّت صُوْر من لائحة “أَقدم مُدن العالم” (جريدة “التلغراف” البريطانية هذا الأُسبوع)، فحلّت في المرتبة الثانية عشْرة تسلْسُلاً تاريخياً، هي المأْهولة منذ 2750 سنة، والتي، كما كتَب ﭘـول موران، “كانت مع صيدا في فترةٍ من التاريخ كل تاريخ العالم”، وجاء في المجلد 16 من المؤَلّفات الكاملة للمؤرّخ اليوناني سترابون (58 ق.م.- 21م): “من أَراد التَثَقُّف في أَيِّ حقلٍ من العلوم، يجد في صيدا وصُوْر مراجعَ ومصادرَ أَكثر مما يجدُ في أَيّة حاضرة أُخرى من الدنيا”.

          في هذا السياق أَفتح أَمامي كتاب “تاريخ مدينة صُوْر الحضاري في العصر الحديث“، وضعَهُ حسن دياب بحثاً أَكاديمياً للفترة بين 1900 و1950، مستنداً فيه إِلى أَرشيـﭪ واسع وغنيّ من وثائق أَصلية جَدَّ في البحث عنها، وتصدُر للمرة الأُولى في هذا الكتاب، إِضافةً إِلى مقابلات أَجراها مع معنيين بالموضوع، سياسيين وموظّفين وحِرَفيين ومزارعين، ليجيْءَ ثَبْتُهُ موثَّقاً بالمعلومة المحقَّقة والتاريخ الصحيح، فتمكَّن من وضع لوحةٍ مدروسة للتاريخ الاجتماعي في مدينة اعتبرتْها الأُونسكو أَحد أَبرز معالم الحضارة الإِنسانية، واستصدرت قرارات بالحفاظ عليها آثاراً ومعالم، وشعباً ذا ماضٍ مجيدٍ بعضُ مآثره أَنه بنى مجد فينيقيا وأَسَّس قرطاجة وعانَدَ الإِسكندر المقدوني ومنعَه من دُخول المدينة إِلا بالقوّة القاهرة، واستعصى طويلاً على الحملات الصليبية.

          ولم يرجع المؤَلف طويلاً إِلى تاريخ صُوْر القديم الـمُشَرِّف، بل حصر بحثه خصوصاً في فترة الانتداب الفرنسي، وما تداخَلَ منها عموماً مع تاريخ جبل عامل، فرسَمَ خطّاً بيانياً مفصّلاً لتاريخ صور الاجتماعي بوثائق وسجلاّت ومقابلات ومصادر ومراجع وتَطَوُّر ديموغرافي وآخرَ عمراني مديني بالعودة إِلى نصوص أَصلية أَمضى في التنقيب عنها فترةً مضْنية من مراجعات جامعيها.

          هكذا تتوالى ستةُ فصولٍ مدقَّقة، عالج المؤَلّف في الأَوّل منها تطوُّر الحياة الاجتماعية والثقافية في صُوْر من حيث المدى السكاني والهجرة والخدمات الاجتماعية والعادات المحلية والنواحي التربوية والحركة الأَدبية والعلمية والثقافية، وتناول في الفصل الثاني بيان التطور الديموغرافي بين 1750 و1980 وتوزيع السكان وفْق الطوائف والأَحياء، وفي الفصل الثالث درَسَ التطوُّر العمراني المديني من حيث التحوُّلات التحديثية للعمارة وبدايات التشكُّل العمراني لبعض المنشآت والمرافق الدينية، وفي الفصل الرابع تابعَ تطوُّر الحياة الاقتصادية زراعةً وحِرَفاً وصناعةً وتجارةً وعقاراتٍ وأَسواقاً ومرفأً تجارياً، وفي الخامس لاحقَ التطوُّر الإِداري للمدينة بين القائمقامية والمحافظة ودُور البلدية والمختارية والمحاكم الشرعية والمدنية، حتى بلَغَ في الفصل السادس الأَخير الحياةَ السياسية، وموقفَ المدينة من الانتداب الفرنسي، ودورَها في مؤتمراتٍ انعقدت حولها في جبل عامل وفي صيدا وبيروت، ومشاركتَها في انتفاضة 1936 وفي معركة الاستقلال، مروراً على الأَحزاب فيها ودورِها السياسي.

          وفي خاتمة الكتاب ثَــبْتٌ مفصَّل بصُوَر تَعُود أَقدمها إِلى صُوْر سنة 1852 ووثائقَ وخرائطَ كانت ركيزة المؤَلّف في وضع هذه الدراسة الدقيقة.

كتاب “تاريخ مدينة صور الحضاري” لـحسن دياب إِضافة علْمية رصينة لـمُجمل تَبَدُّلاتٍ وتَغَيُّراتٍ طرأَت على مدينتنا التاريخية العريقة خلال النصف الأَوّل من القرن العشرين، تُساعدُ في وضوحٍ على فهم حركة واقع تاريخي عاشتْه المدينة في حقبة مفصلية من تاريخ لبنان الحديث.

______________________________________

http://claudeabouchacra.wordpress.com/2014/10/08