هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1159
وطــنٌ بين هِــلالَــيــن
الأَربعاء 9 تـموز 2014

 

        بين الفالق والفالج، بين الداعش والداعس، بين الانفجار والانتظار، يعيش اللبنانيون حياتَهم اليومية بين هلالين.

          ووضْعُ الــ”بين الهلالين” أَنه مُوَقّتٌ ولو طال، ثانويٌّ ولو زال، ومُقْلقٌ إِذا استطال.

          ها هو الوضْعُ بين الفالق والفالج: فالقٌ في باطن الأَرض نائمٌ كخلية نائمة لا نعرف متى يُـفيق زلزالاً “ريخترياً” يدمِّر أَو يُخيف، وفالـجٌ في الحلول جاثمٌ على صدور اللبنانيين لا يعرفون متى يُشفَون منه، فرُعب الفالـج إِذا حَلّ أَلاّ تعالـج فهو لا إِلى حَلّ.

          وها هو الوضْعُ بين الداعش والداعس: الداعشيون يهدِّدون أَماكن العبادة مُسْلميها ومسيحيّيها باسم الله والدين – والدينُ الحنيفُ منهم بَراء -، والداعسُ على صدورهم: وضعٌ جامدٌ مُـجمَّدٌ مُـجمِّدٌ لا يَرَون خلاصاً منه ولا كيف ولا متى.

          وها هو الوضْعُ بين الانفجار والانتظار: انفجارٌ يترقّب اللبنانيين في سيارة، في عبْوةِ على طرف الطريق، في زنارِ انتحاريٍ يتجوَّل ماشياً بينهم، فالقلقُ هاجسُهم، والموتُ داهسُهم، والخوفُ رفيقُهم اليومي ليلاً نهاراً، وانتظارٌ مطَّاط يمطُّ حياتهم رخْواً لزِجاً مرهِقاً مقْلقاً من كل صوب: الأَجهزة الأَمنية في انتظار القبْض على “راجح” وينصَحون المواطنين “باتخاذ أَقصى درجات الحيطة والحذَر”، الانتحاريون في انتظار غفْلة الأَجهزة الأَمنية كي يتسلَّلوا بين الناس والبيوت، الموظَّفون الرسميون ينتظرون راتباً آخر الشهر تهدِّدهم الدولة بأَنه لن يأْتي، القطاعُ العام ينتظر إِقرار سلسلة الرُّتَب والرواتب، والسلسلةُ تنتظر الإِقرار من ساحة نـجمةٍ منطَفِئَة، نتائجُ الامتحانات تنتظر التصحيحَ والتصحيحُ ينتظر المصحِّحين والمصحِّحون ينتظرون السلسلةَ والسلسلةُ تنتظر مجلس النواب، قصرُ بعبدا ينتظر “فخامة الرئيس” و”فخامة الرئيس” ينتظر الإِفراج عنه بكبسة “ريموت كونترول” لا يزال الـمُمْسِكُ بها مجهولاً أَو منتظِراً هو الآخَر في قاعة الانتظار.

          ويستمرُّ الوطن يعيش حياته اليومية بين هلالَين: الـمعنيُّون يحذّرون المواطنين من تجدُّد الهزة الأَرضية، وزير الداخلية يطمْئِن المواطنين: “لا تخافوا، لا هزَّةَ أَمنية”، المتربِّصون يطَمْئِنون وزير الداخلية إِلى أَنّ أَجهزتَه لن تصمُدَ أَمام هَزَّتهم الخفية، أَجهزةُ الإِعلام والصحافة تتسابق إِلى إِعطاء الناس معلوماتٍ تُنْذر بِـهَزّة مستقبلية، المعنيُّون يعمَلون مُـخْلِصين لتأْمين صيفٍ سياحيٍّ هادئٍ هانئٍ يَدْعون إِليه الأَقربينَ والأَبعدينَ مهاجرين وضيوفاً وزوّاراً وسيّاحاً و…”للضيف مفتوحَه منازلْنا” و”يا مْهاجرين ارجَعو غالي الوطن غالي”، و”تحت السما ما فيه متل لبنان”، … والوقائعُ على الأَرض تُنْذِرُ بصيفٍ قاحلٍ قاتمٍ لا كهرباءَ فيه ولا ماء.

          وطنٌ بكامله يعيشُ بين هِلالين، يعيش في الـمُوَقّت، يعيش في الانتظار، يعيش بلا رئيسٍ في انتظار رئيسٍ سيأْتي لا يعرف أَحدٌ مَن هو ولا مَتى يأْتي ولا مِن أَين ولا ما هو برنامجُهُ حين يأْتي ولا لـماذا هُو، لا سواه، مَن سوفَ يأْتي، ويَطول القَلَق، ويطُولُ النَفَق، ويَطُول الأَرَق، ويظلُّ المواطنُ مُعَنْزَقاً بين هِلالين يحاصِرانه من هنا وهناك، لا الـ”هُنا” يَأْمَن أَن يَغفو خوف يَـجيْءُ الذئْب، ولا الـ”هناك” يَأْمنُ أَن ينامَ لأَنه يُـخَبِّئُ الذئْب.

          وبين ذئْبٍ يُخيف إِذا أَتى وذئْبٍ يَتَربَّص كي يأْتي، يأْخذ بعضُ السياسيين كلَّ وقتِهم الثمين في التفكير الرصين بمصير وطنٍ مسكين يتسرَّب مِن بين أَصابعهم كحُبوب الرمل، وهم لا يَـزالون يَنتظرونَ مَن يَضغطُ لهم على زرّ الــ”ريـموت كونترول”.