هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف-الحلقة 1147
ما بين التعدّي والتنمية
الأَربعاء 16 نيسان 2014

 

           بين الموارد التي اقترحها الـمُشرِّعون لتأْمين سلسلة الرُّتب والرواتب: فرضُ ضريبة عالية وتعويضات باهظة على المستفيدين من التعدِّي على الأَملاك البحرية. وبين اعتراضِ هؤلاء على القيمة المفاجئة المفروضة، وشرعيةِ الدولة في تحصيل حقوقها، يقوم الجدل الذي لا بد أَن تنهيه تسويةٌ يمليها الظرف على الفريقين.

          ومع الإقرار بأن الدولةَ النائمةَ عن رعاية أراضيها ومشاعاتها لا يمكنُها أن تستفيقَ فجأة وتطالبَ بحقوقها كاملةً مع مفعول رجعي، عوض أَن تكون ساهرةً منذ البدء فتمنعَ التعدِّي أَوَّلَ ما يحصل، يبقى أَن الضرر حالٌّ بالفريقين معاً.

          في البلدان التي دولُها واعيةٌ وساهرةٌ على مصالحها، تشكّل أراضي الدولة أحد أهم مواردها وأُسس اقتصادها الوطني. واستخدامها الوظيفي أساسُ ما يقوم عليه تخطيطها بأنواعه ومستوياته وأهدافه. وما تراكم عندنا من تعدٍّ على أملاك الدولة بحراً عند الشواطئ وبَرّاً في أبنية عشوائية بلا تخطيط ولا بنية تحتية، جعل استباحة أراضي الدولة مشكلة تنموية وديموغرافية واجتماعية معاً.

          من هنا ضرورةُ ترشيد الاستعمالات وقوننتُها كي تعودَ بالفائدة على الدولة ولا تظلمَ المستفيدين منها شرعياً وقانونياً.

          صحيح أَن الشواطئ اللبنانية ما كانت لتتشكل بهذا الجمال البحري لو لم يستثمرها أصحاب المسابح ويستصلحوها، وصحيح أنّ على الدولة المطالبةَ بحقوقها. لكن استباحةَ المستخدمين وغفلةَ عين الدولة عن الاستخدام غير الشرعي، أوصلتانا إلى ما نحن فيه من صدام ومشاكل واحتجاجات.

          وصحيح أَن الأراضي المهجورة السائبة بلا رقابة تُغري الناس بالاستباحة، لكن عشوائيةَ البناء عليها جعل الكثافة السكانية مشكلةً عوض أن تكون الدولة ساهرة على التنامي الديموغرافي فتقوننَه وتشرِّعَه على أُسس مُدُنية مدروسة.

          من هنا ضرورة الانكباب السريع تشريعياً وقانونياً واجتماعياً على ترشيد استخدام الأراضي المشاعية في لبنان، بَـحْرِيِّـهـا ونَـهْرِيِّـها والبَـرِّيّ، بإيجاد آلية مؤاتية ترسم خطة شاملة لتنظيم استعمال الأراضي، فتجعلها مصدرَ استثمار ذا منافع عدّة، وتسهم في دعم الدولة عبر دورها التنموي، فينجم عن ذلك ازدهار التنمية وازدياد إيرادات الدولة مركزياً والإيرادات البلدية محلياً.

إنّ للدولة أملاكاً عامة وأملاكاً خاصة يمكنها التصرّف بها تأجيراً واستثماراً يعودان على خزينتها بريع أكيد، ويضمنان للمنتفعين، مستأجرين أو مستثمرين أو متصرّفين، عائداتٍ شرعيةً يدفعون ضرائبها ولا تُهدِّدها فُجَاءةٌ ضريبيّة غير متوقَّعة أَو ناشئة عن حاجة الدولة إلى تغطيةٍ داهمةٍ لـمصاريفِ سلسلةٍ أو ديُون.

          ومتى علمنا بأَن 20% من الأراضي اللبنانية لم يتمَّ مسحُها حتى اليوم لتحديد الملكيات العامة والخاصة والمشاعات، نفهم كيف تَـمَّ التعدّي على أملاك الدولة، خصوصاً مع ازدياد الكثافات السكانية وإِرهاقها بنُزوحٍ ولُـجوءٍ من الخارج، وكيف تَكَوَّنَ ماردٌ فاجع من معضلة ديموغرافية واجتماعية تهدد بالانفجار إن لم تستلحق الدولة أموراً عدةً داهمةً قبل انفجارها.

          المواطن ظالم حين يعتدي على أرض الدولة، والدولة ظالمة حين تُحاسب المواطن فجأَةً عوض أن تسهر من البداية على أملاكها وتستثمرَها تنموياً فتمارسَ الاستدراك قبل الاستفحال. وبين ظُلمٍ وظُلم، يتجمَّع بارود المشكلة وينتظر أَول شرارة كي ينفجرَ بالمواطن والدولة معاً، وعندها لن يعودَ ينفَعُ تَسْريع ولا تشْريع.