هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

أزرار- الحلقة 838
سَلامةُ الوزن وجماليا التـعبـيـر
السبت 5 نيسان 2014

 

        لافتاً كان الاحتفالُ الأُسبوعَ الماضي بـمرور 175 سنة على ولادة كلمة “أُو.كي” (OK) الأَميركية الصادرة للمرة الأُولى نهار 23 آذار 1839 من مقالٍ في جريدة “بوسطن ﭘـوسْت” أَوسع الصحف الأَميركية فترتـئـذٍ تأْثيراً وانتشاراً.

          يومها لم يكن كاتب ذاك الـمقال يُدرك أَن هذه الكلمة التي استخدمها في نصه، مُـختصِراً بـحَرفَيْها كلمتَي “كلُّهُ صحيح”، ستـنـتـشر كتابياً ولفظياً لتُصبح أَشهر كلمة في أَميركا وتالياً في جميع اللغات، ولكي تكون مادة كتابٍ وضعه آلِن مِــتْــكالْفْ في 224 صفحة حجماً كبيراً درسَ فيه تاريخ هذه الكلمة وكيف باتت أَكثر كلمة مستخدَمة في العالم.

          حرفان مشتقّان من كلمتين!

          نحن إِذاً أَمام اشتقاق يستولدُه من اللغةِ الناطقُون بها أَو الكاتبونَها، لتَغْنى به وتَسْهُلَ مفرداتُها والاستخدام.

          ولكنْ… هل جميع الاشتقاقات صالحةٌ ومُفيدة؟ أَمَا من معيارٍ للاشتقاق؟

          بلى، ومعيارُهُ مزدوج: سلامةُ الوزن وجماليا التعبير. وهذا ما لا يتوفَّـر دوماً، خصوصاً في اللغة العربية التي، على غنى مفرداتها ومرادفاتها وأَضدادها، لا تَحظى دائماً باشتقاقاتٍ جماليّة ولو كانت صحيحةً وزناً.

          قد يكون “فَعْلَلَ” أَشهرَ وزنٍ مستخْدَمٍ اسماً وفعلاً. منه “الفلسفة” و”الخصخصة” و”الـمَوسَقة” وسواها، وما دخلَتْه من اشتقاقاتٍ لاحقة كــ”السَّعقَلَة” (نسبة إِلى سعيد عقل) و”السَعْتَقَة” (نسبةً إِلى سعيد تقي الدين) و”الكَمْحَجَة” (نسبةً إِلى كمال الحاج) و”السَـرْتَـرَة” (نسبةً إِلى جان ﭘـول سارتـر) و”الأَفْلَطَة” (نسبةً إِلى أَفلاطون أَو أَفلوطين) وهي رغم وزنها السليم لا دلالةً جماليةً فيها كتابياً أَو لفظياً.

          تطبيقُ الكلمة على وزنها يُصدِرُها سليمةَ الاشتقاق لكنّ سليمَها لا يُكرِّسها صالحة. تَماماً كما تطبيقُ الكلمات على الوزن الشعريّ يـجعلُها سليمةَ الاشتقاق لكنّ سليمَها لا يُكرِّسُها شِعراً بل نَظْماً أَجوفَ على موديل “الكلام الـموزون الـمُقفّى” وكم من آلاف “القصائد” الـموزونة بعشرات آلاف “الأَبيات” لا نقرأُ فيها بيتَ شعرٍ واحداً يستحقّ أَن تَحويه قصيدةٌ أَو أَن يكونَ في الشعر.

          ليس الـمُهمّ تطبيقَ المعيار بل جعلُ الـمعيار أَساساً لاشتقاقٍ يُضيف على الكلمة جَمالَ اللفْظ والكتابة معاً. ففي بعض الكلمات ما هو سليمٌ اشتقاقاً لكنّ حروفَه متجانبةً غيرُ متجانِسة، لأَنّ تنافُرَ الـحروف يَـجعلُها مَـمجوجةً رغم سَلامة وزنها.

          للاشتقاقِ وظيفةٌ إِبداعية، ولاختيار الكلمات أَداءٌ إِبداعي، ولبراعةِ الجديد إِبداعٌ خاص كما مثلاً في اشتقاق فعْل غيرِ مأْلوف من اسم مأْلوف، أَو في اشتقاق صفةٍ غيرِ مأْلوفةٍ من موصوف مأْلوف.

          إِرضاءُ القاموس ضروريّ، لكن إِرضاءَه لا يكون بسلامة الاشتقاق وحدها بل بـجمالياه.

          وهنا علامةُ الإِبداع.