هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1143
… وأَكثر من المَـعنى والمَـبنى!
الأَربعاء 19 آذار 2014

 

          في دراسةٍ أَكاديميةٍ قرأْتُها قبل أَشهرٍ عنوانُها “ظواهرُ مَرَضِيَّةٌ في المشهد اللغوي العربي” إِشارةٌ إِلى”فجوةٍ وسيعةٍ بين جَهد الباحثين واللغويين للنهوض بالعربيةِ إِحياءً وتطويراً، وبين جَهدٍ شحيحٍ باهتٍ تبذله الدولة في سَـنِّ تعرُّجاتٍ لُغَويةٍ وطنيةٍ لا تُنَاسِب حاجات الوطن ولا تَصُون كيانَه بل تَصوغ سياساتٍ على مَقاس مصالحها فتتّسعُ الفَجوة بين القاعدة والنُّخَب الحاكمة”.

          شدَّدتُ على أَنني قرأْتُ هذه الدراسة قبل أَشهر كي لا يُظَنَّ أَنني قرأْتُها أَخيراً ووجدتُ الشبَه الكبير بينها وبين ما تابعناه أَخيراً من جَهدٍ “جبّارٍ” استغرق شَهراً وعشرةَ اجتماعاتٍ وليلةً طويلةً مُضْنيةً في القصر الجمهوري لاستيلاد بيانٍ وزاري اتّكَلَ المشتغلون فيه، يا عافاهم الله، على مطّاطية اللغة العربية لتغَطّي نوايا الصائغين فلا يَعترض مُعتَرِض، ولا يُعارِض مُعارِض، بل يكون لكلّ شخصٍ أَن يفسِّر تعابيرَه كما يَفهمُها، اتكالاً على أَن اللغةَ العربية مطّاطةُ المعاني، مطّاطيةُ التعابير، استمطاطيةُ التفاسير، وبذلك يَنْفُذُ البيان بِريشِهِ، وتُسَوّى الأُمورُ لصالح الـمُواطن العزيز ومصلحةِ الوطن المعزوز.

          وأَكثرُ من المعنى والمبنى: اتَّخذت “أَلـ” التعريف حَيِّزاً واسعاً من مناقشات صائغي البيان الذين- يا عافاهم الله أَيضاً وأَيضاً- تشاوَرُوا وتناقَشُوا وتفاهَموا وتفهَّموا وتَشاءموا وتشاءَلُوا وتَداوَلوا وتناوَلوا وناوَلوا وحاوَلوا استنباطَ المعنى “العميق” بين أَن تَرِدَ في البيان كلمةُ “مُقاومة” أَو “أَلْـــــمُقاومة”، لأَنّ على الـــ أَلـ” أَو بدون الــ “أَلـ” يتوقَّف مصيرُ الوطن ومستقبلُ اللبنانيين وحاضِرُ الشرق الأَوسط الجديد.

          ودِدتُ لو أَعرف عنوانَ كاتبِ تلك الدراسةِ اللغوية التي قرأْتُها قبل أَشهر كي أَكتُبَ له فيُضيفَ إِلى أَبحاثه الـمُقْبِلة استنباطاتِ السياسيّين اللبنانيين وعِشْقَهم اللغةَ العربيةَ واتكالَهم عليها كي تُنقذَهم من غُموضٍ أَو لُبْسٍ أَو إِبهامٍ أَو سوءِ تفسير، لعلَّ الكاتبَ اللغويَّ الباحثَ عن دواءٍ لظواهرَ مَرَضِيَّةٍ في المشهد اللغوي العربي يستفيد من استنباطات سياسيينا الذين “مَانوا” على اللغة العربية دواءً لظواهر سياسية مَرَضيّة جعلَت البلاد عشْرةَ أَشهرٍ بدون حكومة، وعشْرةَ اجتماعاتٍ بدون بيانٍ وزاريّ، وساعاتٍ طويلةً من النقاش حول كلمةٍ واحدةٍ في البيان، ومناقشاتٍ مستطيلةً حول حَرْفــَي “أَلـ” التعريف في كلمةٍ واحدةٍ من ذاك البيان.

          وإِذا علماءُ اللغة يَظُنُّون أَنهم موجودون لخدمةِ اللغة وتطويرِها وتَحْديثِها، فلْيَفْهَمُوا أَنّهم مُـخطئُون، بعد بيان حكومتنا الوزاري وبعدما سياسيُّونا جعلوا اللغة في خدمة التّذاكي السياسيّ: يَـتَّكلونَ عليها متى شاؤُوا، يَـمُونُونَ عليها كيفَما شاؤُوا، ويُقَوْلبُونها لـمَصلحتهم حيثما شاؤُوا، لصَوْغِ بيانٍ تاريخيٍّ قد تكون كلماتُه لاحقاً موضوعَ دراساتٍ لغويةٍ لكيفيةِ نَقْل الوطن من فَراغ الحُكْم إِلى…حُكْم الفراغ.