هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1127: “عزيزي لبنان”
الأَربعاء 27 تشرين الثاني 2013

          كأَنّ هذا الكلام صدَر عن كاتبٍ لبناني مقيمٍ أَو مُهاجر.

ولو اننا قرأْناه من دون معرفة كاتبِه، لقُلنا إِنه كاتبٌ لبناني مقيمٌ أَو مهاجرٌ يوجِعه ما يحصل في لبنان ويتحرَّق قهراً على شعبه الذي يكاد يُفلت الوطن من بين يديه كما يتسلَّل الرمل من بين الأَصابع.

لكنه صادرٌ عن سفيرِ دولةٍ عظمى يقولُ عن لبنان ما لا يقولُه بين أَبناء لبنانَ كثيرون لا يؤْمنون بلبنانَ الحقيقيّ الواحِدِ الـمُوحَّدِ الـمُوَحِّدِ الوحيد في صفاتٍ كثيرةٍ بين جيرانه والكثير من البلدان.

إِنه السفيرُ الإِنكليزي توم فْـلِـتْـشِـر، كاتبُ رسالة “عزيزي لبنان” وجَّهَها إِلى اللبنانيين في الذّكرى السبعين للاستقلال.

لم يضَع السفير قفّازات الدﭘــلوماسية، ولا استل ّكلامَه من قاموسها. كتَبَ بِلُغَةٍ عفويةٍ ناضحةٍ مما رآه وعاينَه واختبرَه في لبنان.

جاء في رسالة السفير: “عزيزي لبنان: أَنتَ أَفضلُ مما تظُنُّ أَنّك. هذه سنواتُكَ السبعون الماضية، فيها أُدباؤُكَ وموسيقيُّوكَ ومفكِّروكَ ورجالُ أَعمال مرَّاتٍ غَزَوا العالم. وهي ذي جبالُكَ ووديانُكَ وشُطآنُكَ تُثير بجمالها غِيرَتَنا جميعاً. وتلكَ روحكَ شعلةٌ وثّابةٌ لا تنطفئ ولا تُخمَد. نفضْتَ عنك بأُعجوبيّة نادرةٍ رَمادَ حربٍ مُدمِّرةٍ كما لم يَحصلْ في بلدٍ من قبْل. وهاني كلَّ يوم أَلتقي لبنانيين استثنائيين يَقُومون بأُمور رائعة رغم التحدّيات والصِعاب. ما أَجملَ في ربوعك صوتُ الأَذان يُمازجُهُ في سماك صوتُ قَـــرْع أَجراس الكنائس فيُصلّي كلٌّ حسب ديانته“.

ويشير السفير إِلى العلة فيخاطب اللبنانيين: “سياساتُكم ظاهرُها دينامِيٌّ لكنّها واقعاً مشتَّـتـةٌ ومشلولة. تتحدَّثون عن الوحدة وبعضُكم يقول: “لبنان بلدٌ رائع… لولا اللبنانيون” ومنكم من يقول: “لن يتغيّرَ شيء: هيدا لبنان”، وتقول فئةٌ منكم عن فئة أُخرى: “إِنهُم مختلفون عنّا”.

ويسعى السفير إِلى تَشديد اللبنانيين: “لديكم قدرةٌ جبّارةٌ على احتمال المَشقّات كانقطاع الكهرباء وسواها، إِنما لا تواجهون أَسبابها الأَساسية. تستثْمرون أَكثر من أَيّ بلدٍ آخرَ في تعليم شبابكُم لكنّهم يَشعرون بأَنْ لا صوتَ لهم في تغيير بلادهم نحو الأَفضل. كنتُم منارةَ حقوق المرأَة لكنّكم تنتخبون قلَّةً منهنّ في الـﭙـرلمان. كنتم أَوّل بلدٍ في الشرق الأَوسط يقف في وجه الدكتاتورية والطغيان لدى أَحداث القرن الحادي والعشرين لكنّ صوتَكم الـمُطالبَ بحقوقكم سَكَتَ، وفي حالاتٍ كثيرة أُسْكِت“.

وختَم السفير بسُؤَال اللبنانيين: “في الذّكرى السبعين للاستقلال، لِـمَ لا تتذكَّرون المعنى الحقيقي للاستقلال وكيف يجبُ أَن يكونَ الاستقلال؟ ولِمَ لا تَضَعون مصالح لبنان الوطنيةَ فوق مصالح الأَسياد الأَجانب؟ ولِمَ لا تَطلبون من قادتكم أَن يَقوموا بذلك أَيضاً؟ في محيطكم جيرانٌ صِعابٌ لكنّ موقعَكم وتنوُّعَكم أَوسعُ من محيطكم ويَضَعانكم في قلب القارّات والثقافات، وتاريخُكم يَمنحُكم صلابةً ورُوحاً حُرّة يتحرّق غيرُكم في المنطقة للحُصول عليها“… وكتبَ الكثيرَ بعد، سفيرُ الدولة العُـظمى.

          فيا سَعادةَ السَّفير: كُلُّ مُؤْمنٍ بلبنان اللبناني يَشكُركَ على لبنانيَّتك في التفكير. لكنّ الزَّبدَ، مهما أَرغى، لا بُدَّ أَن يَبلُغَ الشَّطَّ ويَزول، والأَنواءَ لا بُدَّ أَنْ تهدأَ وتنجو السفينة. إِنّ إِيماننا كبيرٌ يا سَعادة السفير. كبيرٌ بوطننا وكبيرٌ بشعبنا. وفي تاريخنا فَتراتٌ أَشدُّ هولاً وقسوةً وجحوداً لكنّها عَبَرَتْ كما يَذوبُ الثلج عن قمم الجبال، وكما يعودُ الربيع كُلَّ عامٍ فتُزْهِرُ عندنا الحقول والبساتين.

توم فْـلِـتْـشِـر: شُكراً على ثقتكَ بلُبنان واللبنانيين، وصَبراً على هذه الغيمة السوداء، إِنها عابرةٌ وَلَو بَطُؤَت، ومَعاً، نحنُ وأَنتَ وكُلُّ مَن مثْلُكَ بهذه العفويّة الطيِّبة، سَنُعَــيِّـد بِشُروق شمس لبنانَ الحقيقيّ ونُصافحُكَ يومَها بعناقٍ لبنانـيٍّ صافٍ، يا صديقَنا سَعادةَ السّفير.