هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 143
“جونيه عَــبْــر حِــقَــب التاريخ”- منير وهيبة الخازن و واكيم بو لحدو
الأَحَـــد 17 تشرين الثاني 2013

vdl_143

          مراراً ذكرتُ – عند مراجعة الكتُب في حلقات اليوم الأَحد – أَنْ لو يتولّى كلُّ خبيرٍ تأْريخَ بلدته ديموغرافياً وجغرافياً لَتَجَمَّعَ عندنا تاريخٌ للبنان غيرُ الذي يَصدر في الكتب، لأَن لبنان الذي يكتبه اللبنانيون، كلٌّ في حَــيِّــزِه، غيرُ الذي يكتبه الـمؤرِّخون عُموماً.

          بهذا الـمنطق أَتناول اليوم كتاب “جونيه عَــبْــر حِقَب التاريخ” وضعه سنة 1983 المؤَرخان منير وهيبة الخازن وواكيم بولحدو في 560 صفحة قطعاً كبيراً، مُزوّداً بصُوَرٍ ووثائقَ وخرائطَ ومعلوماتٍ مستقاةٍ من قدامى الـمراجع التاريخية، وسطَّرا فيه خارطةً تاريخيةً جغرافيةً ديـمُغرافيةً إِداريةً لـمدينة جونيه في قلب مقاطعة كسروان التي سُـمِّيَت “العاصية” لوُعُورة مسالكها وجبالها الـمسنَّنة.

          وعن المؤلِّفَيْن أَنَّ جونيه قديمةٌ ذكَرَها العالِـمُ الجغرافي محمد بن عبدِالله الشريف الإِدريسي في القرن الحادي عشر بـأَنها “حصنٌ يشرف على خليج البحر” وهو يعني الـمكان الذي أَصبح اليوم ناحيةَ صربا، إِحدى أَربع نَوَاحٍ هي غادير وحارة صخر وساحل علما وأَربعتُها معاً تُشكّل مدينة جونيه.

          التسمية الأَرجح لدى قرأَلي أَن جونيه من “الجُون” أَي “الخليج الصغير” الـمحيط بالـمدينة كإِسوارتها. وعن أَنيس فريحة أَنّ اسمَها من اليونانية ويعني “مثلَّث الزوايا”. وفيها آثار قديمة، أَبرزُها: برج هيلانة في غادير، قلعة صربا الفينيقية الضخمة، فسيفساء فينيقيّة كبيرة في صربا، ومغارة الباطية عند شير صربا حيث أُسطورةُ الفارس جرجس (الخُضْر عند المسلمين) مُنقذِ بنت الملك من براثن التنين، ومغاورٌ وكهوفٌ في ناحية حارة صخر البحرية.

          وللمدينة تاريخٌ قديمٌ جداً ونشاطٌ مزدهرٌ لـميناء جونيه الطبيعي جاء المماليك سنة 1307 فأَحرقوه وأَحرقوا معه المدينة. ثم جاء فخرُالدين فأَعاد بناء ميناء جونيه وأَخذ يسفِّر منه حرير الزوق إِلى أُوروﭘـّا.

          وفي الكتاب خارطةٌ لشعوبٍ سكنَت جونيه منذ أَنشأَ الفينيقيُّون على تُـخوم جونيه والـمعاملتين مدينة “جَبَل” السابقةَ بسنواتٍ مدينةَ جبيل التاريخية. بعدها تعاقب على جونيه المصريون الفراعنة فالأَشوريون فالفرس فاليونان فالرومان فالعرب فالصليبيون فالمماليك. وبعد ذكْر موقعة جونيه أَيام فخرالدين، ومعركة ميدان صربا مع جيوش ابرهيم باشا، يكشف الكتابُ مراحلَ جونيه أَيام المتصرّفية فأَيامَ الحربَين العالَـمِيَّتين، فطبيعةَ جونيه موقعاً سياحياً جاذباً، فيه التلفريك إِلى حريصا، ونادي اليخوت على فم الميناء، والشاطئُ الأَسمر الـمُمتدَّة عليه مُـجمَّعاتٌ بحرية مُـمتعة، وغنى جونيه موقعاً تربوياً نابضاً بـمدارسه وجامعاته، ومركزاً اقتصادياً بـموائل التجارة والزراعة والصناعات اليدوية والأَعياد الشعبية والدينية.

ويختم الـمؤَلّفان الكتاب بأَعلامٍ ومشاهيرَ من جونيه في حقولٍ مُـختلِفَةٍ مفصَّلَةٍ على أَوساطها ونتاجها.

كتاب “جونيه عَــبْــر حِقَب التاريخ” قطعةٌ من قلب لبنان لأَبناءِ لبنانَ الـجدُدِ الذين، إِن لم يعرفوا كُنوز كُلِّ منطقة فيه، سيبقى لبنانُ لَـهُم مُـجرَّدَ اسمٍ لوطنٍ عائمٍ على سطح معلوماتِهم، وما أَفقَرَ معلوماتهم عن عُمقِه الغنِـيّ الفريد.