هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

813: الوطنُ القويّ يَقسُـو ولا يَظلِم

الوطنُ القويّ يَقسُـو ولا يَظلِم

السبت 5 تشرين الثاني 2013                       -813-

صباحَ الثلثاء الـماضي وصَلَ 800 أَلف موظَّف أَميركي إِلى مراكز عمَلهم فوَجَدُوا الـمَراكز ولم يَـجِدوا العَمَل.

قرَّرَت الحكومة الفدرالية إِقفالَ مَرَافق خدمات ومؤَسسات حكومية وسياحية وأَنشطة ومتاحف وحدائق عامة، في عطلةٍ قسريةٍ سبَّبَها الخلافُ بين الحزبَين (مجلس الشيوخ الديمقراطي ومجلس النوّاب الجمهوري) على تمويل المؤسسات والمرافق الحكومية، فبلغوا الطريقَ المغلَق وأَغلقوا مؤَسسات ومرافق.

واندلع المواطنون براكين غضب ضدّ مـُمثِّليهم الذين تراشقوا إِيديولوجياً بالتُّهَم فلم يُصِبْهُم من تراشُقِهم حَجَرٌ بل تساقطَت الحجارة على رؤُوس شعب كفَرَ بـمَن انتخبَهم ليَأْمَنَ رغيفَ غَدِه فسقَط الرغيف قبل الصباح.

هي ذي الديمقراطية بأَقصى تجلِّياتها في بلادٍ تقود العالم بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإِنسان فيَصْدِمُها تَصَادُمُ نوّابٍ “مؤَدْلَـجين” لم يُصْغُوا إِلى التحذيرات من شلل الموازنة العامة والضرر الذي بلغته البلاد بسبب مشاحناتهم.

ومن وطن “العَمّ سام” إِلى “وطن الأَرز” الذي ما زال منذ 2005 بدون موازنة عامة، ويُجَرجِرُ نفقاته بـسِلْفَةٍ هنا وسِلْفَةٍ هناك، والخزينة مسلوفَةٌ سَلَفاً، ويجتاز كلَّ شهر “قطوع” دفع المستحقات والرواتب على قاعدةٍ اثني عشرية لن تُنقذ فَذْلكتُها طويلاً خزينةَ الدولة من الانهيار إِن هي استمَرَّت بسياسةِ نَعامةٍ لا تعرف، ورأْسُها في الرمل، أَيّ عاصفة ستُطيحُها وتطيحُ معها مَن وَما فوق الرمل.

الديمقراطيون والجمهوريون في واشنطن اجتمَعوا. اختلَفوا لكنهم اجتمَعوا. أَما في ساحة النجمة فلا نجمةَ تضيء، ولا نورَ يَظهر، ولا اجتماعَ يَحصَل، ولا مَشاريعَ على طاولة، ولا تشريعَ يَلُوح، وفي السراي الكبيرة فراغٌ كبيرٌ وتصريفٌ كبيرٌ لأَعمال غير كبيرة، وفي المصيطبة تكليفٌ ولا تأْليف لأَن دومينو التجاذبات لا يزال الشبَح الـمُصْلَت وراء “راجح” المتَربِّص في مجهولٍ غيرِ مجهول، والسبعةُ الأَشهر تتمطَّى من الانتظار وتَتَثاءَب، والسراي تتمطَّى من الضجَر وتَتَثاءَب، وأَروقةُ ساحة النجمة تتمطَّى من الفراغ وتَتَثاءَب، والمواطنُ اللبناني يتمطَّى من الأَلم ويَتَثاءَب خلفَ حَيْط الخوف من غَدٍ أَسْوَد ومصيرٍ أَسْوَد وتَرَقُّبٍ أَسْود، والوطنُ أُوتوكار يَسير ولا سائق، بالحظّ لم يتدَهْوَر بَعد، بالحظّ لم يَصطدمْ بالجدار بَعد، وبالحظّ ما زال يَرصُدُ مصيرَه المهزوز على قواعد الإِثني عشَريات الــــ”سارحة والرَّب راعيها”.

الوطنُ القويّ يَقسو ولا يَظلم.

غير أَنّ الوطن الـمتزحلق على رمال القدَر المجهول يَظْلُم لأَنّ قسْوَته قاهرة، وساسَته قَـهَّارون، وشعبَه مقهور، وجواز السفر (الـمُصَنَّف عاشراً بين أَكثر الدوَل سوءاً في العالم) أَمسى في أَيدي أَبنائه الهاربين مُهدَّداً بالتبدُّل عند أَوَّل بلادٍ ليس مَكتوباً على بابها: “سارحة والرَّب راعيها”.