هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

808: في تقويم الفشل (3/3)

في تقويم أَسباب الفشل (3/3)
السبت 31 آب 2013
-808-

لن تكفي، طبعاً، هذه الثلاثيةُ للإِحاطة بمشكلة تعليم اللغة العربية وإِيصالها إِلى تلامذتنا منذ سنواتهم الأُولى.
لكنّ غرضَها التنبيهُ إِلى عِلَل نقصٍ في الإِيصال تنفِّر أَولادنا من العربية.
مع الاعتراف الفوري بأَنّ نظام تدريسِها يجب تعديله كلياً، ثمةَ عوائقُ أُخرى موازيةٌ هذا النظامَ يجب تعديلها أَيضاً.
بدءاً من الأَهل في البيت: يُنشئون أَولادهم على مخاطبتهم اليومية بالأَجنبية حتى يَغتربوا عن العربية التي تصبح أَجنبيةً غريبة عنهم، بعيدةً عن لغتهم اليومية، قريبةً إِلى النفور منها عند مقاربتها في كتُبهم أَو فروضهم المنزلية. يضاف إِلى ذلك توجيهُ معظم الأَهل أَبناءَهم إِلى المواد العلْمية والقراءة باللغات الأَجنبية دون العربية لاعتبار أَنهم لن يحتاجوها لاحقاً ولن “تُجديهم رزقاً”.
مروراً بالتعليم في الصفّ: خَفَّضَت ساعاتِهِ مدارسُ على حسابِ موادّ أُخرى تهتمُّ في اختيار مدرّسين لها أَكثر من تَشَدُّدِها بمن تعتمدُهم (أَو تعتمدُهُنّ) لتدريس العربية، كما تهتمُّ بإِرسال مدرّسي تلك المواد الأُخرى إِلى دورات تدريبية وباعتماد منسّقين خبراء أَكثر من الاهتمام بدورات اللغة العربية ومنسّقين لها غالباً ما يكونون من الهيئة التعليمية مفصولةٌ لهم “ساعات تنسيق”.
لكنّ جميع هذه الأَعلاه يمكن تَدَاركُها، إِلاّ علّة الكتاب المدرسي الذي هو في الأَساس العضويّ من المشكلة. ففيما تتشكَّل لِـجانٌ دقيقةٌ لاختيار الكتاب المدرسي الأَجنبي، يَخضع اختيارُ الكتاب العربي لاعتباراتٍ بعيدةٍ في معظمِها عن المعيار التقويمي التربوي، قريبةٍ من إِغراءات الناشرين مُعَلِّماً أَو منَسّقاً أَو مسؤولاً لاعتماد سلاسلِهِم حتى ولو كانت في التداول سلسلةٌ جيّدةٌ أَثبتَت نجاحَ نتائجِها على مستوى مقاربة التلامذة العربيةَ قراءةً وفهماً وكتابةً.
هكذا يتمّ اعتماد الكتاب اعتباطاً أَو لـمصالح شخصية، وهذا رائج في مدارسنا حتى الفضيحة (عندي استشهاداً مراجعاتٌ كثيرة من الأَهل عن صعوباتٍ تواجه أَولادهم في قراءة نص صعب أَو غير سائغ).
أَما عن التأْليف المدرسي (وهو كارثيٌّ فاجع) فالموضوع يَطول ويطال إِجحافاً مؤْذياً أَبناءَنا.
تشكيلُ “لجنة تأْليف” من بضعة مُدَرّسين، لا يعني سلامةَ التأْليف.
وعبورُ الكتاب موافقة المركز التربوي لا يعني سلامةَ التأْليف.
ورواجُ الكتاب في مدارس عدّة (للاعتبارات الشخصية أَعلاه) لا يعني سلامةَ التأْليف.
التأْليف المدرسي دُربةٌ تربويةٌ دقيقةٌ مستقلّةٌ ذاتُ منهجيّةٍ خاصة ليست لدى كلّ مُدَرّسٍ ولا كلّ أَديبٍ ولا كلّ كاتب.
التأْليف التربويُّ للأَولاد عالَـمٌ آخرُ غيرُ التدريس، وغيرُ الأَدب، وخصوصاً غيرُ الكتابة الإِبداعية.
ولهذا الموضوع روافدُ مُهمّةٌ جداً قد أَعود إِليها في “أَزرار” أُخرى.