هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 131
“صُور… تاريخُ مدينة”- لعلي خليل بدوي
الأَحَـــد 25 آب 2013

في 128 صفحة تتسابقُ على جمالاتها الصُوَرُ والنُّصوصُ أَصدرَت بلدية صُوْر كتاب “صُوْر… تاريخُ مدينة” لعلي خليل بدوي سنة 2008، نصاً فرنسياً بترجمة عزَّت عز الدين سويدان، صُوَراً بعدسة منير نصر وفريق مصُوّرين، وغلافاً يحمل هيبة أَعمدةٍ باقية من التاريخ شاهدةٍ على عظَمة مدينةٍ عريقةٍ كانت، ذاتَ فترة، أَمبراطوريةً شاسعةَ الهدى والمدى عبر سنوات غنيّة في التاريخ.
وهذا ما ظهر في مقدمة رئيس البلدية الناشرة عبدالمحسن الحسيني من أَنّ “صُوْر تحمل في النقوش على صخورها وعلى ترابها فوقه وتحته إِرثاً خالداً يحملُ في سِرّه وسِحْره حضارةَ صُوْر… وهو إِرثٌ يدعو إِلى التجذُّر في الأُرض والوطن ويحمل نوستالجيا جوهرةِ الـمتوسط وعميدةِ المدُن الخالدة في التاريخ. وهو هدف البلدية من إِصدار هذا الكتاب الحاملِ رسالةَ صُوْر التراثيةِ والثقافية والروحية والسياحية وصولاً إِلى حداثتها الـمُعاصرة”. وعن المؤلف علي خليل بدوي أَن “صُوْر مركزٌ محوريٌّ حسّاس بموقعها الجغرافي، يتخطّى دورُهُ الحضاريّ تُخومَ الساحل اللبناني وفلسطين وسوريا والعلاقات مع مصر وبلاد ما بين النهرين ليبلُغَ أُوروﭘـا وأَفريقيا الشمالية التي أَسَّس فيها الصُوْريون مدُناً ومستعمراتٍ سابقةً كثيراً ما في أُوروﭘـا الجديدة. وإِذ لا يُمكن حصرُ أَمجادِ صُوْر وتاريخِها في كتابٍ يكتفي هذا الكتابُ بأَضواء مختارةٍ من فسيفساء صُوْر توجِزُ بعضَ الإِرث الذي حملتْهُ للإِنسانية مدينتُنا العريقة”.
هكذا، في أَربعة فصول الكتاب، تُطِلّ صُوْر بأُبَّهتها التاريخية بدءاً من موقعها الجغرافي شبهَ جزيرة على الضفة الشرقية من المتوسط، واحةً وُسْطى بين صيدا وعكّا، في سهلٍ يَـمدُّ جناحَيْه بين البحر وجبل عامل، تحرُسه تَلَّتان أَثَريَّتان: الرشيدية ومعشوق.
أَما موقعُها التاريخي فبدءاً من اسمها الواردِ تسمياتٍ منذ الكنعانيين فاليونان فالرومان تركيزاً على اسمها الحالي المتحدِّر من الفينيقية. وعن المؤَرِّخ هيرودوت أَنْ في خلال زيارته صُوْرَ في القرن الرابع قبل الميلاد روى له كهنة معبد ملكارت أَنّ بعض السكّان في منتصَف القرن الثالث قبل الـميلاد انتقَلُوا من الشاطئ إِلى البرّ الصّخري وأَسَّسوا عليه مدينة صُوْر الحالية.
من هذا الشاطئ الـمُثْمر انطلق الصُوْريون لتأْسيس مستعمراتٍ صُوْريةٍ على ضفاف المتوسط، حتى بلغَت صُوْرُ القوية المنيعة أَن تكونَ “ملكة المدائن الفينيقية” وأَن تَشْهَدَ مجدَها الأَعلى في زمن الملك أَحيرام. ويروي المؤَرخون بالإِثباتات العلْمية أَنّ البحّارة الصُوْريين بلغُوا القارّة الأَميركية قبل قرنين من وصول كريستوف كولُـمبُس إِليها.
تتوالى في الكتاب نقوشٌ ومخطَّطاتٌ لِـمراحلَ من تاريخ صُوْر وعلاقاتها مع الأَشُوريين والبابليين والفرس والإِسكندر المقدوني والرومان والبيزنطيين والعرب والصليبيين. وينشُر الكتابُ صُوَراً ووثائقَ عن الحركة التجارية الناشطة في صُوْر القديمة وزجاجياتها (الزجاج اكتشاف صُوْرِيّ)، والأُرجوانِ والأَبجدية انطلق بها قدموس ابن أَشنَّار ملك صور، وشقيق أُوروپ خطَفها كبيرُ الآلهة زوس عن واحةٍ جميلةٍ من شَطّ صُوْر. ويمر الكتابُ على الفنون النحتيّة القديمة في صُوْر وعلى واحاتِها السياحيّة والأَثرية، منها ميدانُ سباق الخيل، وقوسُ النصر، والكنائسُ القديمة، والطريقُ الروماني، وقنواتُ الماء المعلَّقةُ، وطريقُ الفسيفساء، والمسرحُ القديم، والحماماتُ والخزّاناتُ والمدينةُ الرياضية من الغرانيت المصري الأَسود النادر، والمرفأُ العريقُ التاريخيّ، وكاتدرائية الصليببين، وخاناتُ صُوْر الـمتعدِّدة وكنائسُها وجوامعُها وأَسواقُها المتنوِّعة وصولاً إِلى حقْبتها الـمعاصرة ومهرجانات صُوْر وحيويةِ الحياة فيها ليلاً ونهاراً، ومحيطِها المتوَّج بقانا والدَّلاّفة والأَجران ورأْس العين والبرُج الشمالي،… وسواها وسواها من كنوزِ التاريخ والسياحة والآثار والجمال.
كتابُ “صُوْر… تاريخُ مدينة”، بالصُورة الأَخّاذة والنصّ الموثَّق، شاهدٌ نابضٌ على هَيبَة مدينةٍ لبنانية وُلِدَت عندنا وشعَّت على العالم، فَــأَبْـجَــدَتْــهُ وجَعَلَتْهُ رافداً من إِشعاع فينيقيا الذي ما زال عُنوانَنا الدائم على خارطة العالم، تاريخِهِ وجغرافياهُ.