هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1111: مَن أعطى ترخيصاً للكشكول ؟!

الحلقة 1111: مَن أَعطى ترخيصاً للكشكول ؟!
الأَربعاء 7 آب 2013

في حيِّنا داحُول وكشكُول.
أَما الداحول فشخصٌ ذو وجهَين بين الأَبله والخبيث. وهو عادةً أُمّيٌّ غبيٌّ يدَّعي المعرفة.
وأَما الكشكول فحسَب “المنجد في اللغة”: كلمة فارسية تعني وعاء يحمله المتسوّل على كتفه ويَحشُر فيه، بدون ترتيب، كلّ ما يتجمّع لديه من رزْق طيلة ساعات التسوُّل. وَوَرَدَ أَيضاً أَنه كتابٌ لا تَنْتَظِمُهُ وَحْدَةُ موضوعٍ معيّن، بَلْ يجمع بدون ترتيبٍ ولا تبويبٍ ولا تنسيقٍ مواضيعَ متفرقةً بين مسائلَ علمية وطَرائفَ أَدبيةٍ وحَوادِثَ تاريخيةٍ وأَمثالاً وقواعدَ ونوادِرَ وزجَلاً ومُفاكهات.
هكذا في حَيِّنا دكان داحول: كشكولٌ تجد فيه الأَرُزّ مع السماد الكيماوي، والفاصوليا مع الطناجر وأَدوات الخياطة، والخبز مع كراسي القشّ، والأَجبان والأَلبان مع البوظة والمربى، والأَحذية مع الدفاتر والأَقلام، والفواكه مع البطّاريات وأَدوات شحن الخلَوي، والخُضَر مع أَثواب الأَقمشة الفالتة والملابس الولاّدية الجاهزة، وخصّص داحول زاوية من دكانه وضع فيها كرسي الحلاقة لمن يرغب في قَصَّة شعر سريعة وغسيل شمﭙوان، وفي زاوية أُخرى يسمسر للعاملات في البيوت، وعلى الحيط علّق كرتونةً برقم هاتف مكتب لمَن يطلب تاكسي أَو سيارة للإيجار، وقربها كرتونة أُخرى عليها ثلاثة أَرقام لأَبو الفضل خندريس وإِشعيا بن آغا الطَّهْطَزَنّ وعبدالعفو زمُّور وهم سماسرة أَراضٍ وعقارات لِمَن يرغب في شراء شقةٍ أَو شقفة أَرض في أَقصى الجنوب أَو أَعلى البقاع، ودسَّ في جاروره الأَيسر رقماً لسمسار عرسان لِمَن يرغب في تزويج بنْتِه لابن حلال آتٍ من المهجر. هذا هو كشكول داحول، ومَن يقول: “أَنا رايح عَ الكشكول” يعني أَنه رايح إِلى دكان داحول الذي قلَّما يُخيِّب طلَبَ زبون لأَن في كشكول دكانه ما لا يَحويه مول (mall) في المدينة ولا تحصره مجموعةُ مكاتب خدمات في العاصمة.
لا يُمكن أَن نَحكم على الأَخ داحول في إِطاره المحلي بل في الإطار العام: العصرُ اليوم مَحَالّ متخصِّصة في بضاعةٍ واحدة. يقصد الزبون المَحَلّ لبضاعة محددة. ولَكانَ كشكول داحول ظاهرةً تَخصُّه وحده، لو لم نَكُن نرى كَشْكُولِيَّتَه الداحوليّة لدى معظم المسؤُولين عندنا.
فكم وزيراً عندنا يُحَوِّلُ وزارته لتصريف شغله الخاص فتصبح كشكولاً من المعاملات المكدّسة، أو يُطِلُّ على وزارته سُوَيعاتٍ عاجلةً ويَهرع إِلى مؤَسّسته أَو مصنَعه أَو شركته ليَسهرَ على عمله وشُغْله ومَورد رزْقه الذي يَخشى عليه أَن يخفّ بسبَب انهماكه في شؤُون وزارته التي تَوَلاّها لأَنه من كوتا سياسية أَو تركيبة طائفية أَو حصّة حزبية انتمائية تولّيه غالباً وزارةً لا علاقة له باختصاصها فيكون الداحول والكشكول معاً.
وكم نائباً عندنا يطلّ على اللجان النيابية عندما يُتيح له وقتُه المشغول غالباً بمصالحه الأَساسية التي لم تتوقّف يوماً منذ انخرطَ في ليسْتَة مرشّحين كَلَّفَتْه “قِرشَين” ووُعوداً بخدمة الجمهور الحبيب والناخبين الأَعزاء، حتى إِذا وَضَعَ رِجْلَه في قاعة ساحة النجمة نسيَ الوُعود والجمهور الحبيب والناخبين الأَعزاء وعاد يَنصرف إِلى مصالحه وأَشغاله في الوطن والمهجر.
هذا هو واقعُنا المُزْري في دولتنا: معظمُ مَن يتولاّها يهدمون إِرث آباءٍ للاستقلال بَنَوا الدستور ورسّخوا الديمقراطية، فجاء بَعدهم تُجارٌ وسماسرةٌ ورجالُ أَعمال يُلَملِمُون فتات أَسيادهم يَحشُرونها في كشكولهم ويسَخّرون مكاتبهم الحكومية لتصريف أَشغالهم، أَو يستغلون مناصبهم لزيادة زبائنهم وتوسيع أَشغالهم، فإِذا المنصِبُ الرسمي في خدمتهم عوض أَن يكونوا هُم في خدمة المُواطنين.
سوى أَنّ تاريخ لبنان لن يكون كشكولاً على صورة سماسرةٍ كَشاكيل فقَدوا المنطق والحسّ الوطني. ولا بُدّ، غداً أَو في أَيِّ غدٍ آتٍ، أَن يُقفلَ الشعبُ كشكول كلّ داحول فتنهضَ دولتُنا من فَسادها وفاسِديها ومُفْسديها وتتخَلَّصَ من جميع “الدواحيل” الذين “يُكَشْكِلُون” الدولة، ويَجعلونها – كدكّان داحول – تَجمَع بيعَ البطّيخ إِلى السَمْسَرة بعاملات البيوت.