هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1105: أولادنا الذين يتحرّكون هذا الأسبوع

الحلقة 1105: أَولادنا الذين يتحرّكون هذا الأُسبوع
الأَربعاء 26 حزيران 2013

يتحرَّك هذا الأُسبوع نحو نصف مليون تلميذٍ إِلى مراكز الامتحانات في المناطق اللبنانية.
ولكن… في أَيِّ جَـــوٍّ يتحرَّكون؟ بل قبل: في أَيِّ جــوٍّ كانوا يتحضَّرون كي يتحركّوا هذا الأُسبوع؟
كانوا يراجعُون دروسَهم ليتقدَّموا من الامتحان في مناخٍ من القلق والذُّعر والترقُّب، فكيف يمكن ذهنُهم تحضيرَ امتحانٍ في جَــوِّ القلق والذُّعر والترقُّب؟
أُولو الأَمر، النافذون في الأَمن والسياسة و”طبْخ” مصير الوطن، المتناتشون السلطةَ والقرارَ تهويلاً وتمويلاً وتبديلاً، هل فكَّروا بأَولادنا الذين يتهيَّأُون للامتحانات الرسمية؟
وسْط أَخبار التفجيرات الأَمنية بقاعاً وشمالاً وجنوباً وبيروتاً، هل يُمكن أَولادُنا أَن يتهيَّأُوا للامتحانات؟
وسْط أَنباء الجمر تحت الرماد كما يُشِيع الإِعلامُ المتهافت على الـ”توك شُوَات” السياسية المنذِرةِ بالأَسوإِ، ووسْط مشاهد قطْع الطرقات وحرْق الدواليب وتشيــيع قتلى وشهداء ومغدُورين، ووسْط تصاريحَ ناريةٍ تهديديةٍ تنديديةٍ ثأْريةٍ انتقامية، هل يمكن أَولادُنا أَن يتهيَّأُوا للامتحانات؟
وسْط وضعٍ اقتصاديٍّ ضاغطٍ يجعل الكثيرين من الآباء عاجزين عن تسديد الدُّفعة الأَخيرة من القسط المدرسي وربما الدُّفعات التي انصرمَت، لأَن الآباء مهدَّدون بالصرف من العمل أَو بالعجز عن تأْمين رغيف الخبز أَو مصروف العائلة بسبب الضيقة الاقتصادية الراعبة، هل يمكن أَولادُنا أَن يتهيَّأُوا للامتحانات؟
وسْط القلق من أَن يكونَ مركز تقديم الامتحانات مُعرَّضاً لحادثٍ أَمنيٍّ أَو الطريقُ إِلى مركز تقديم الامتحانات معرَّضاً للإِقفال قبل موعد الامتحانات أَو أَثناءَ وُجود التلامذة فيها، هل يُمكن أَولادُنا أَن يتهيَّأُوا للامتحانات؟
الذين يتبارَون في تعطيل المؤسسات الرسمية والشرعية في الدولة باسم المبادئ الإِيديولوجية أَو الاصطفافات الحزبية أَو الانضواءات التحالُفية، هل يفكِّرون بنصف مليون تلميذٍ يرافقهُم القلق إِلى مسابقة الامتحان؟
الذين لم يعُودوا يَرَون إِلاّ مصالحهم الشخصية والانتخابية والسياسية والأَمنية و”الغيتُّوِية” ومستعدُّون لإِحراق روما والتفَرُّج عليها من شرفة منازلهم وقصورهم، هل يفكِّرون بامتحاناتِ أَولادنا التي ستنقُلُهم من مرحلةٍ إِلى مرحلةٍ أَرفعَ ليتقدَّموا خَطوةً صوب مستقبلهم في المجتمع والوطن؟
الذين لا يَرَون من مواقفهم السياسية والأَمنية إِلاّ مستقبَلَهم السياسي والأَمني، أَلا يَرَون أَنهم يسحَقون مستقبلَ أَولادنا ويمحقون آمالَهم ويُطفئون لديهم كُلّ جُذوة من حُبِّ الوطن والتعلُّق به والبقاءِ على أَرضه والعملِ في مفاصله الخاصة أَو الرسمية؟
أَولادنا الذين يتحرّكون هذا الأُسبوع إِلى مراكز امتحاناتهم، هيَّأُوا امتحاناتهم في أَجواء قَلَق، ويَمضون هذا الأُسبوع إِلى تقديمها في أَجواءِ قلَق، وينتظرون نتائج امتحاناتهم في أَجواءِ قلَق، فَأَيُّ جيلٍ جديدٍ نبني في أَجواء هذا القلق اليومي؟
وأَيُّ مستقبلٍ ننتظر لهم وينتظرون في مناخات التشنُّج الطائفي، والتشاوُف المذهبي، والتفاضُل الديني، يتلقَّون في بيوتهم جرعاتٍ من الاصطفاف المذهبي والطائفي والديني، ينقلونها معهم إِلى مجتمعاتهم المدرسية ملوَّثين بجرثومة ما يعاينونه في بيوتهم، رفضاً أَو قبولاً، ويذهبون بها إِلى مراكز الامتحانات؟
إِنّ جيلاً كاملاً يذهب هذا الأُسبوع إِلى مراكز الامتحانات، مسؤُوليتُه علينا جميعاً أَن نُـهيِّئَ له لا جَــــوَّ امتحاناتٍ هادئاً وحسْب، بل وطناً هادئاً كي يُحبُّوه ويُحبُّوا أَن يكون مستقبلُهم فيه إنما لا وسْطَ جَـوٍّ يضعُهم ويضعُنا فيه مَن فَقَدوا كُلَّ حسٍّ بجوهر الوطن ونعمة الوطن ومستقبل أَجيال الوطن.