هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1104: وجوه العدالة

الحلقة 1104: وُجوهُ العدالة
الأَربعاء 19 حزيران 2013

ليس للاحتجاج شكلٌ واحد ولا سببٌ واحد. لكنّ له درجاتٍ تتصاعدُ، وَفق المناسبة، من أَدنى اعتراضٍ إلى قمة غضبٍ وَفْقَمَا يكون الانفعال فردياً أَو جماعياً: من نَشْر نَصٍّ إِلى قطْع طرقات إِلى إِحراق دواليب أَو تظاهر أَو اعتصام أَو إِضراب، وربما إِلى شغَبٍ يهدِّد أَمن الدولة، في درجة انفعالٍ سببُها تقصيرٌ من المسؤولين أَو مطالبةٌ بحقوق أَو رفضُ حُكْمٍ قضائيّ.
ولعلّ بين أَقسى الاعتراضات: ذاك الناجمُ عن أَمر يتعلَّق بالأَولاد، وهنا لا يعودُ رادعٌ أَو وازعٌ يَضبُطُ ردّة الفعل.
أَحدثُ ما بَلَغَنا أَخيراً: والدٌ إِنكليزي صباحَ الخميس الماضي دخَلَ متحفَ دير وِسْتْمِنْسْتِر الشهير في قلب لندن وتقدَّمَ من لوحةٍ للملكة معلَّقةٍ في صدر قاعة العرض احتفاءً بمرور ستة عقود على تنصيب إِليزابيت الثانية ملكةً على إِنكلترا سنة 1953، ورَشَّ من أُنبوبٍ في يده كلمة “النَّجدة” (Help) بسائلٍ أَسْودَ شَوَّهَ اللوحة. قبضَ عليه رجالُ الأَمن فأَوثقوه واقتادوه إِلى مركز الشرطة المركزي بتهمة الإِتلاف الجرميّ. ولدى استجوابه صرَّحَ أَنّ قانون الطلاق حَرَمَهُ من رؤْية أَولاده وفَقَدَ كلّ اتصالٍ بهم مع مطلِّقته، ولم ينجح بالقنوات القانونية في إِعادة هذا الاتصال. ولما شعرَ بأَنْ لم يعُدْ لديه ما يخسرُه حتى ولو خسِر حريته في السجن، فكّر بعملٍ تخريبيّ يلفت إِليه المسؤولين على أَعلى مستوى، فأَقدم على فِعْلَتِهِ الجريئة التي أَرعد صداها في لندن بدءاً من القصر الملكي، لأَنّ الملكة بلغَها الخبر وسأَلت عن الـمُسَبّب والسبب فجاءها خبرُ ما يعاني منه هذا الوالدُ المحرومُ من أَولاده.
غير أَنّ هذا، طبعاً، لا يُبَرِّر فِعْلة هذا الأَب أَياً يكُن شعورُه ودافعُه. فللعدالة وجوهٌ عدَّةٌ لكنّ مرماها واحد: الصالح العام، ولو انه أَحياناً يوجِعُ أَفراداً لا يكون وجهٌ من وجوهها لصالحهم. فليس منطقاً أَن تلبّي العدالةُ هَوى كُلّ شاكٍ أَو معترِض، ولا يمكنُ أَن تكون العدالةُ على قياس أَشخاصٍ أَو جهاتٍ أَو فئات، أَو على حساب أَشخاصٍ أَو جهاتٍ أَو فئات، وإِلاّ تعمَّمَت شريعةُ الغاب وبات العالم قوانينَ مبعثَرةً مشَتَّتَةً ينتصر فيه القويُّ وينكسرُ الضعيفُ على القهر. لذا يتعمَّم القانون على الجميع، ثم تكونُ دراسةُ كلّ حالةٍ على حدَة، ضمن منطوق القانون، إِذا كان في التطبيق العام إِجحافٌ من تعميمه وضرورةُ النظر في حالة شخصية.
الأَساس أَوَّلاً: احترامُ القانون وهَيْبَةِ العدالة وحُرمةِ القضاء، خصوصاً حين يتعمَّم الحزمُ سَواسيةً على الجميع فلا يتدَخَّل فيه سياسيٌّ أَو نافذٌ أَو مسؤولٌ، أَياً يكن، يُدير دفَّةَ القرار أَو الحُكمِ لصالحِه أَو لصالح محسوبِه المتَّهم.
التعبيرُ عن الرأْي مُتاحٌ لكنَّ غير المباح: التطاولُ على القيَم والمؤَسسات والرُّموز، ولو انني أَفهَم بعضَ رُدود الفعل، وخصوصاً لـمّا يتعلَّق الأَمر بالأَولاد، حين تنجرحُ عاطفةُ الأُبُوَّة ولا يكون لِـجُرحها علاجٌ إِلاّ بسمةٌ مضيئةٌ على وجه طفلٍ عائدٍ، أَو وَلَدٍ يَهْرَعُ ملهوفاً إِلى ذراعَيْن حانِيَتَيْن.