هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1103: آتون من الماضي وباقون في الماضي

الحلقة 1103: آتُون من الماضي وباقُون في الماضي
(الأَربعاء 12 حزيران 2013)

حَـمَلَتْ إِلينا مواقعُ إِلكترونيةٌ هذا الأُسبوع معلومةً هامّةً عـمّا “يحدث في العالم على شبكة الإِنترنت في دقيقةٍ واحدة”، فإِذا هو: تَبَادُلُ 200 مليون رسالة إِلكترونية، مليُونَا بَـحثٍ على الـ”غوغل”، بُلوغُ المبيعات إِلكترونيّاً بواسطة خدمة “أَمازون” 83 أَلف دولار، دخولُ 277 أَلف شخص على الـ”فايسبوك”، إِنشاءُ 300 شخص حساباً جديداً على الـ”تويتر”، حُصولُ 100 أَلف تغريدة “تويتر”، مُشاهدةُ مليون ونصف مليون ﭬـيديو على الـ”يوتيوب”،… كلُّ هذا – وأُكرِّر – في ما سوى دقيقةٍ واحدة.
كُلُّ هذا أَوْرَدْتُهُ لا لتعدادِ الوقت وما فيه من أَرقامٍ فائقةٍ مُذْهلةٍ تَحصَل في 60 ثانية فقط، وإِنّما لتَبيان أَهميّة الوقت الذي يمرُّ مُـحمَّلاً بنشاطٍ إِلِـكترونـيٍّ ضخْمٍ يدُلُّ على حركة الكَون الأَرضية كلَّ دقيقةٍ تَـمُـرُّ في عمر الفرد وفي زمن البشر.
إِنها قيمةُ الوقت لـمن يعرف قيمةَ الوقت ومن يُحسِن استخدامَه لقطفِ نتيجةٍ منه مفيدةٍ فردياً أَو جَـماعياً.
هذا يدلُّ على سرعة القفز نحو المستقبل في هذا العقد الثاني من الأَلف الثالث، فكيف به في العقد الثالث وما سيَليه؟
الـمُهمُّ هنا ليس التوقُّفُ للتأَمُّل في هذه السرعة الدُّوَاريّة الوَمْضيَّة وإِنّما مُـماشاةُ هذه السرعة والإِفادةُ من إِيقاع العصر السريع للَّحاق به واستخدامِه للتطوير الجَماعي، خصوصاً على مستوى الشأْن العام والـمجتمع الأَهلي الـمدنـيّ.
هَدفي من إِيرادها اليوم هو التالي: إِذا كان الأَمرُ لا يَظهر واضحاً إِلاّ عند مقارنته بأَمرٍ آخَرَ فيبدو أَسرعَ أَو أَبطأَ، آخُذُ هذه الأَرقامَ التي ذكَرْتُ وسرعةَ حَركيَّتِها واستشْرافَها الـمستقبل وأُقارنُها بـما يَـجري عندنا مع سياسيين يَستشرفون الماضي ويُـجَمِّدون الحاضر ويُغْلقون الـمستقبل على كُلّ أَملٍ برؤْية غَدٍ واضحٍ، لأَنهم آتُون من الماضي وباقُون في الماضي ومُـجَمَّدون في الماضي ومُـجَمِّدون بسياساتهم وعَنْعَنَاتهم كُلَّ الوطن في دهاليز الماضي عِــوَضَ رفْعِه إِلى شرفات الـمُستقبل.
شاطرون جداً بالتطلُّع إِلى الماضي وَكَــرِّ الوقت سريعاً إِلى الوراء وجَــرِّ الوطن سريعاً إِلى الـخلْف وإِبقاءِ الوطن في الأَمس وتجميد الزمن عند مصالحهم الانتخابية والسياسية والمناطقية والإِيديولوجية والحزبية والاصطفافية و”التفاهُـمية”، يُـجَمِّدون الوقت الحقيقي ويُقزِّزون الزمن الافتراضي لكُلِّ ما يَخْدُم حاضرهم مُتناسلاً من ماضيهم، وما لا يَخدُم مُطْلقاً أَيَّ غدٍ للشعب والوطن.
مجلسٌ نيابي يتثاءَب على ظهر الوقت ويتمدَّد فوق الوقت ويتمطَّى عن الوقت 17 شهراً إِضافياً رابضاً على صدور الناس لأَنّ 48 شهراً ماضياً لم تكن كافيةً له كي “يُبْدِعَ” قانونَ انتخابٍ عصرياً يُطْلِق الحياة النيابية في مسارها الـمستقبلي.
حكومةٌ باقيةٌ في الوقت الماضي وتتفرَّج على مرور الوقت الحاضر ممنوعةٌ عن الخَطْوِ نحو وقت الـمستقبل لأَنها في انتظار تشكيل حكومةٍ جديدةٍ موعودةٍ بِـعَتيق الماضي مُـجمَّدةٍ في الحاضر مَـمنوعةٍ عن الـمستقبل.
بلادٌ كاملةٌ غارقةٌ في الماضي، غامضةُ الحاضر، مجهولةُ المستقبل، تنام على أَرَق، وتصحو على قلَق، خائفةً من الآتي وما فيه من غَرَق، ومن هَول السقوط عن شاهِقٍ جرّار عند شِيْر هاويةٍ بلا عُمق ولا قرار.
العالـمُ حولَنا يَسيرُ بسرعة ملايين في الدقيقة الواحدة، ونحن وَسْط هذا العالم غارقون في دقائقَ جامدة، وساعاتٍ مُـجَمَّدَة، وأَيامٍ مُرَمَّدَة، وسنواتٍ مُقَدَّدَة لا خيرَ فيها ولا حَصاد، وندّعي أَنّ لدينا سياسيين يَسُوسُون البلاد فيما أَولادُنا هاجروا من البلاد، أَو يُهاجرون أَو يَتَحفَّزون للهجران هاربين من وطن السنوات السُّلَحْفاتية الـمَطّاطة البَطيئة، قاصدين أَيَّ وطنٍ سَنَوَاتُهُ ساعاتٌ متطوِّرة، وإيقاعُه دقائقُ مُتَصَوَّرة، ومستقبلُه سباقٌ بين اكتشافٍ واكتشاف، وفي كلِّ اكتشافٍ قفزةٌ إِلى غَــدٍ مُثْمِرٍ في خدمة الإِنسان.