هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 116
“جبران”- ألِكْسَندر نجّار
الأَحد 12 أَيار 2013

 

          لا يَقِلُّ الكتابُ الفَنيُّ أَهميةً وأَثراً وتأْثيراً وحِفْظاً وعَرْضاً عن أَيِّ لوحةٍ ثمينةٍ إِلى جدار أَو منحوتة قيِّمةٍ في ناحيةٍ من رُدهة أَو حديقة. فالكتابُ الفَنيُّ ليس لِمَضمونه وحسْب بل لقيمةٍ فنيةٍ فيه طباعيةٍ تجعلُه للمشاهدَة مِتعةً واندهاشاً وغبطةَ تأَمُّل. لذا يسمّيه الفرنكوفونيُّون “الكتاب الجميل” (Beau-livre) ويسمّيه الأَنكلوفونيون “كتاب المِنضَدة” (coffee table book) دلالةً على فخامة الكتاب وأَهميَّته يقدَّمُ هديّةً نفيسةً غيرَ تقليدية.

في هذا السياق صدر أَوّلَ من أَمس، الجمعة، كتابُ “جُبران” لأَلكسندر نجار عن منشورات “L’Orient des livres” بمبادرةٍ من البنك اللبناني الفرنسي.

الكتاب، ككُلّ كتابٍ فَنيٍّ من نوعه، في 236 صفحةً، حجماً موسوعياً كبيراً عالي الإِتقان طباعةً وإِخراجاً وورقاً صقيلاً.

وهو في لُغتَين: الفرنسية التي كان أَلكسندر نجار أَصدَر بها سيرةَ جبران وأَشرفَ على صدور الطبعة الفرنسية لمؤَلّفات جبران الكاملة في باريس، وقبالةَ النص الفرنسيّ ترجمتُه إلى العربية. وما بين النُّصوصِ البيوغرافيةِ عن جبران لوحاتُهُ العديدةُ زيتياتٍ ومائياتٍ وتخطيطاتٍ ورُسوماً بالقلم الرصاص.

وإِن ليس من كثيرِ جديدٍ بعدُ عن بيوغرافيا جبران، ففي الكتاب لوحاتٌ ورسومٌ تصدر للمرة الأُولى مأْخوذةً من متحف جبران في بشري بإذْنِ لجنة جبران الوطنية، ومن متحف سُمَيَّة في مكسيكو وهو الذي أَنشأَه المكسيكيُّ اللُّبناني الأَصل كارلوس سْليم، ومتحف تِلْفِير للفنون في ساﭬانا (جورجيا) وهو الذي أَودَعَت فيه ماري هاسكل لوحات مجموعتِها من جبران. وفي الكتاب وثائقُ جديدةٌ جمعَها المؤَلِّف من جولاته على جامعة هارْﭬرْدْ، جامعة تكساس، جامعة نورث كارولاينا وجامعة مكسيكو، حتى ليبدو هذا الكتاب، بين يدي حاملِهِ، متحفاً ملخَّصاً لأَعمال جبران ومحطاتٍ رئيسةٍ من سيرته الذاتية.

في الكتاب أَربعة عشر فصلاً يستهلُّها فصل “بشرّي”، وتليه فصول “العالم الجديد”، “عودة إِلى الينابيع”، “مَآسٍ”، “البدايات”، “مدينة النور”، “نيويورك”، الحرب العُظمى”، “من الطبيعة إِلى اللانهائي”، “الرابطة القلمية”، “النبيّ”، “الذاتُ المجنَّحَة”، “دَعوني أَنام”، و”بعد الرحيل”.

وواضحٌ من التَّسَلسُل الكرونولوجيّ للفصول أَنها محطات حياتِه منذ ولادته حتى سفَرِه مع العائلة فعَودتِه إِلى لبنان سنواتٍ أَربعاً فرجوعِه إِلى بوسطن فسَفَرِه إِلى ﭘاريس يدرُس الرسم فرجوعِه إِلى بوسطن فانتقالِه إِلى نيويورك آخرَ عشرين سنةً من حياته، محطاتٌ حياتية يَرويها الكتاب تُحيطُ بها أَعمالُ جبران لوحاتٍ ورُسوماً حتى أَنّ مَن يَحمل الكتاب يَحملُ جبران قلمَهَ وريشَتَه معاً.

في توطئة الكتاب قَدَّمَ المؤَلِّف جبران مجدِّداً في كتابة لغته العربية، مؤَثِّراً في كتابةِ إِنكليزيّته حتى الرئيس الأَميركي جون كيندي وعبارتِه “لا تَقُل ماذا فعلَتْ لي بلادي بَلْ قُلْ ماذا فعَلْتُ أَنا لبلادي”، إِلى فرقة البيتِلْزْ وأُغنية “جوليا” المُستوحاة من نَص جبران، إِلى مبادئ السَّماح والمحبَّة والتَّساهُل والتسامي زرَعَها في قارئيه جيلاً بعد جيل، فإِذا هو جِسْرٌ رُوحيٌّ فكريٌّ ثقافيٌّ بين الشرق الذي منه أَتى والغربِ الذي فيه عاش، وإِذا نَعْشُه الملفوفُ يومَ مأْتَمِه بالعَلَمَين اللبنانِيّ والأَميركيّ رمزُ جَمْعِه بين حضارة العَلَمَين.

في رسائله إِلى ناشري كتُبِه كان جبران يَحرَص على الأَناقة في إِخراج كتبه، ولَكان هذا الكتاب يُرضي كثيراً جبران لِما فيه من حرْصٍ على أَناقة الإِخراج، فكيف إِذا ضَمَّ إِخراجُهُ الفَنّيُّ نُصوصاً عن جبران وأَعمالاً من جبران زادَها سلاسةً شفيفَةً قلمُ أَلكسندر نجار في لغةٍ فرنسيةٍ تَحملُ هذا الكتابَ إِلى أَفياءَ كثيرةٍ من العالم ملأَها جبران شُموساً مُشِعَّةً بثمار قلمِه وموسيقى ريشتِه الشاعرَة !