هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1098: التكـْـفيرُ المـُـقـَـوْنـَن

الحلقة 1098: التَّــكْــفِــيْــرُ الْـمُــقَــوْنَـــن
الأَربعاء 8 أَيّار 2013

عن وكالة “فرانْس ﭘْــرِسْ” أَمس الأَوّل الإِثنين من داكّا عاصمة بنغلادش أَنّ مواجهاتٍ حادةً مع رجال الشرطة تسبَّبت في مقتل 22 مواطناً في صفوف70 أَلفاً من المتظاهرين الإِسلاميين المتشدِّدين كانوا يطالبون بــ”قانون جديد ضدّ الكُفْر”.
هي ذي تظاهرةٌ جديدة لنوعية جديدة من المطالبات الجديدة: صياغةٌ جديدة لقانون ضدّ الكُفْر.
صار إِذاً للكُفْر قانون ! والكُفْر، في طبيعته الأُولى، لعلَّه القانون الوحيد الذي ضدّ كلّ قانون.
الإِيمان يَلزمه قانونٌ لضَبْطه. النظام يَلزمه قانونٌ لإِدارته. الأَخلاق يَلزمها قانون لتحديدها.
كلّ مَعْلَمٍ في الحياة يَلزمه قانونٌ لضمان ديمومته وصحّته ونفاذه إِلى مرماه الأَخير.
إِلاّ الكُفْر. لأَنه وحده الذي يُطيح كلَّ قانون: الكُفْر بالإِيمان، الكُفْر بالنظام، الكُفْر بالأَخلاق، الكُفْر بكلّ مَعْلَمٍ يضبطه قانون ويُقَوْنِنُهُ نظام. وها يأْتي اليوم في بنغلادش مَن يطالبُ بوضع قانونٍ جديدٍ للكُفْر، يعني لقَوْنَنَة الكُفْر، يعني لوضع نظامٍ خاص بالكُفْر، يعني لإِتاحة الكُفْر في وجوهه المختلفة ومظاهره المتعددة ومفاعيله الكثيرة التي لا واحدٌ منها يؤَدّي إِلاّ إِلى الخراب.
نعرفُ هذا مما يجري عندَنا منذ سنواتٍ حتى اليوم وحتى غدٍ بعيدٍ إِن لم تنضبطِ الأُمور وتنتظمْ في مسراها الصحيح.
وأَكْفَرُ الكُفْر هو الـمُسبِّب الذي يحمِل الكافرَ على بلوغ الكُفْر.
تجويعُ الناس يؤَدّي بهم إلى الكُفْر بالوعود. قَهرُ الناس يؤَدّي بهم إِلى الكُفْر بالنظام. المماطلة في تلبية حاجات الناس تُؤَدي بهم إِلى الكُفْر بالمسؤُولين. تسويف مطالب الناس من يومٍ إِلى يوم ومن حجّةٍ إِلى حجّة ومن تأْجيلٍ إِلى تأْجيل ومن عُذرٍ إِلى عُذر ومن وعدٍ كاذبٍ إلى وعدٍ أَكذب، كلُّ هذا يؤَدّي بالناس إِلى الكُفْر بالحُكْم والدَّولة والسياسيّين.
تنويمُ الناس على قانون انتخاب لا يَطلع الفجر عليه، والمدةُ تنفَد والوقتُ يُدَاهم، والمعنيّون يَجتمعون ويتَجَمَّعون ويَستجْمعون الأَفكار وينتظرون التعليمات ويلْتقون على عدم التلاقي ويتَّفقون على عدَم الاتفاق ويؤَلّفون لجنة تَواصل لا تَواصل فيها ولا اتّصال بين أَعضائها ولا صلةَ بين رأْيٍ ورأْيٍ فيها، جميعُ هذه المظاهر والمظاهرات والاستظهارات والظهيرات والظُهورات حول قانون الانتخاب الذي لا يبدو أَنّ أَحداً من دُيوك السياسة سَــ”يَبِيْضُهُ” في النهاية، جميعها اعتبارات تشحن الناس بالغضَب وتقودُهم إِلى الثورة وتؤَدّي بهم إِلى الكُفْر: الكُفْرِ بقانون الانتخاب، الكُفْرِ بالانتخاب نفسِه، الكُفْرِ بأَصحاب العلاقة من الانتخابات وقانون الانتخابات، الكُفْرِ بأَقوالهم وأَفعالهم ووعودِهم واجتماعاتِهم وتصاريحِهم ومؤْتمراتهم الصحافيّة الإِعلامية الفولكلورية، الكُفْرِ بإيمانِ الناس بهم يومَ منحُوهم ثقتَهم أَن يَنُوبوا عنهم في مجلس النواب فِإِذا بهم لا يَنُوبون عن أَحَد ولا يُنتَدَبون على شيْء بل يَتناوبون: لا على تَشريع القانون ولا تَسريع الاتفاق عليه بل على تَضييع الوقت وتَمييع الـمُدّة وتَقطيع الأَيام حتى يكونَ ما يكون… وما أَرعَبَ عندها ما سوف يكون !!!
الكُفْرُ لا يَلزمُه قانون؟ صحيح… لكنَّ القانون الذي لا يأْتي، يؤدِّي إِلى الكُفْر.
وما أَرهَبَ ما سوفَ يَكونُ من الشَّعب حين يَبلُغ به كُفْرُه بالقانون إِلى الكُفْر بكلّ قانون وبكلّ مسؤول عن القانون.