هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

787: قضايا غير مـُـلـِـحـَّـة!؟

قضايا غير مُلِحَّة !؟
السبت 30 آذار 2013
-787-

هي ليسَت الأُولى، وقد تتكرَّر، كما تَـحدُث في متاحف أُخرى من العالم. غير أَنّ ما يَحدث عند سوانا يلقى فوراً أَو لاحقاً نتيجةَ البحث عن الفاعلين فيرتدع سواهم لأَن العدالة هناك لا ترحم.
لا يكفي الأَسف والأَسى على “فقدان 46 قطعة أَثرية صغيرة سهْلة الحمْل” من متحف قلعة جبيل تُشكّل 30 صنفاً مختلفاً “كانت محفوظة في 6 واجهات زجاجية مقسّمة من العصر النيوليتي حتى العصر الروماني”.
ولا يكفي أَن تكون “الأَدلّة الجنائية رفعَت البصَمات وأَنْهت عملها وأَحالتْه إلى التحقيق”.
ولا يكفي أَن يتقاذفَ المعنيُّون تُـهَم التقصير من مسؤُولية الأَجهزة الأَمنية إِلى مسؤُولية جهاز أَمن السفارات إلى تَوَلّـي بلدية جبيل الحراسة إِلى التباكي بأَن “عديد القوى الأَمنيّة لا يكفي لتعزيز الحراسة الليلية”.
ولا يكفي تخفيفُ أَهميّة المسروقات بأَنّها “ليست قِطَعاً نادرة” وبأَنّ بعضها “نُسَخٌ معروفة للعصور المتعاقبة” بين “قطع فخّارية وحجرية صغيرة صوّانية وبازالتية ورخامية قديمة وخَرَز للعقود وقواعد لصنع العقود”، وبأنّها “مرتّبة بطريقة علمية سهلة المتابعة”، وبأَنّ “قيمتَها معنوية جداً وليست مادية ثمينة في أَسواق بيع الآثار المسروقة”.
ولا يكفي التعجُّب من “براعة اللصوص” الذين “دخلوا من الأَبواب الخارجية الكبيرة دون خلعها مع أَنّ أَسوارها عالية” والذين “قد يكون معهم مفتاح للدخول خلْسة”.
ولا يكفي الاستغراب الفولكلوري من الإِقدام على “عمل مدروس كهذا” في “منطقة أَثرية مصنّفةٍ ضمن التراث العالمي”، ولا التغنّي الانطباعي بأَنْ “يزورها التلامذة والسياح للتعرُّف على مراحل التطوُّر التاريخي لأَقدم مدينة في العالم”، ولا النداء العاطفي بـــــ”أَن يكون كلُّ مواطن حارساً تراث بلاده”.
ولا يكفي التحجُّج بـ”تسيُّب الأَمن في البلد” وانشغال القوى والأَجهزة والـمسؤولين بـما هو “أَهمُّ من سرقة قطع صغيرة فيما قطوعات كبيرة تُـهَدِّد البلاد”.
جميع هذه الأَقاويل والتصاريح نعرفها غيباً وتَهْجئةً عند حصول حادثة أَمنية.
سمعناها قبل سبع سنوات عند سرقة متحف بيت الدين ولم نسمع بنتيجتها.
وسمعناها حين هدَّدَتْنا منظمة الأُونسكو بِحَذف وادي قاديشا من لائحة التراث العالـميّ لـ”تجاوزات البناء العشوائي” ولم نسمع بإِزالة التجاوزات.
سمعناها ونتوقَّع أَن تُحالَ هذه السرقة أَيضاً لا إِلى التحقيقات الـمُلِحّة بل إِلى ملفّاتٍ غير مُـلِحَّة لأَن الإِلحاح في انشغالات أُخرى.
ونخشى أَن يستغلَّ خفافيشُ الليل تلك “غيرَ الـمُلِحَّة” كي يُلِحّوا في دهاليز العتمة فيُكملوا قَضْم تُراثٍ أَثريّ هو ذاكرةُ لبنان الذي يُباهي العالم بأَنّ في أَرضه أَقدمَ ذاكرةٍ لتاريخ البشريّة.