هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

786: انتقامُ الفريسة

انتقامُ الفريسة
السبت 23 آذار 2013
-786-

المشاهدُ الرهيبة في كتاب آنِّيك كوجان “الفَرائسُ في حَريم القذّافي” (منشورات غراسيه – ﭘـاريس- 325 صفحة قطعاً كبيراً) تَفتح بداهةً على سؤال: أَين كانت مخابراتُ دُول عُظمى كان رُؤَساؤُها يستقبلون “الأَخ معمّر” في قصورهم مبتهجين به سامحين له بفَلْش خَيمته في ساحاتها وممارسة شخصانيته الشاذّة؟
43 سنة حَكَمَ شعبه دِكتاتوراً، ووراءَ جدران قَصره صامتةٌ مكبوتةٌ أَنَّاتُ صبايا ونساء اغتصَبَهُنَّ في ساديّة أَكثرَ شذوذاً من المركيز دو ساد، وظَلّ رؤساء الدول يعاملونه رئيسَ دولةٍ يتودَّدُون إليه لـمصلحةٍ شخصية أَو سياسية.
ارتكاباتُه الجنسيّة الشاذّة – كما رَوَتها آنّيك كوجان عن اللّواتي اغتصَبَهُنّ- أَقلُّ ما به توصف أَنها “جرائم بحق المرأَة خصوصاً والإِنسانية عُموماً”. واعترافات ثُريا، إِحدى تلك الفرائس، تشير إِلى شذوذه مع النساء وحتى مع الرجال، وإِلى حلقات عربداته وحاشيته و”الأَمازونيات” حارساته الأَمْنِيات، والأَمِينات “بـجميع المعاني”.
هذا النموذجُ البشِع من الحكّام الدِكتاتوريين لا تظهر فضائحه إِلاّ بعد اغتياله أَو طرْده أَو هرَبه، عندما تنتقم الفريسة من جلاَّدها الوَحش فتفضَح مثالبه وشذوذَه وممارسات أَولاده وحاشيته ومَن في حَرَمه ومَن يسهِّلون لَه ومَن يُسهِّل لهم، حتى يستغرب العالم كيف كان حاكماً ولم يكتشفْه حُكَّام العالم.
كتابُ آنِّيك كوجان إِنذارٌ إِلى جميع الزعماء الطُّغاة الذين يَكُونون في الحُكْم أَباطرةً مُهابين من شعبهم مُحتَرَمين من حُكّام الدُّول حتى إِذا انْهارَ حُكْمُهم انفضحَت جرائمهم تُذهلُ شعبَهم وحُكّام الدول.
هي هذه طبيعة الغُزاة الذين يغتَصبون الحُكْم أَو يَرِثونه فيَحْكُمون بطّاشين حتى إِذا خَلعَهم الشعبُ بثورةٍ أَو انتفاضةٍ أَو انقلابٍ أَو عِصيانٍ مفتوح، ينسى التاريخُ مآثرهم (أَياً تكن أَهميّتها في عهدهم) فلا يَبقى في الذّاكرة الجَماعية إِلا الشّنيعُ من فصولهم وشذوذهم وارتكاباتهم ضدّ شعبهم وبلَدهم.
ولم يكُن عَرْضُ جُثة القذّافي المشوَّهة كي يتقاطرَ الشعبُ من كلّ البلاد أَربعة أَيام يَراها قبل طَمْرها في التراب، إلاّ انتقامَ الشعب من جَلاّده كي يتأكَّدَ أَن جَزّاره فعلاً بات جُثةً بعدما سبَّب في شعبه آلاف الجثث، وبعدما تَرَكَ بلادَه خراباً ودماراً لأَنه عاندَ من أَجل بقائه في السُّلطة.
كتابُ آنّيك كوجان ليس إِنذاراً للحُكّام الطُّغاة وحسْب بل أَيضاً للحُكَّام “الديمقراطيين” الذين، بتَواطُؤِهم مع الطُّغاة ضدّ شعوبهم، يزاولون الطغيان باسم ديمقراطية عقيمةٍ لا يَنتُجُ عنها إِلاّ تسهيلُ البطْش بالشعب والبلاد، فيُصبحُ الشعب جحافلَ لاجئين نازحين مشرّدين، وتُـمسي البلادُ هَياكلَ بيوتٍ مَـحروقةٍ تَأْنف من سُكناها البُوم والغربان.