هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1092: حتى “تـَــتـَــجـَـنـْــدَرَ” حقوقـُـها

الحلقة 1092: حتى “تَتَجَنْدَرَ” حقوقُها
الأَربعاء 27 آذار 2013

بعد ثلاثةِ أَيّامٍ يَـجْمع آذار أَيامه في حقائبه وينصرف، تاركاً لنا منها، ككُلّ سنة، أَياماً خاصةً بالـمـرأَة: يوم الـمرأة العالـمي، عيدُ الأُمّ، وأَوَّلُ الربيعِ فصلِ الخُصُوبة، خُصُوبةِ الأُمّ وخُصُوبةِ الحبيبة وكلتاهما واحدةٌ في اللحظة الـحاسِـمة.
ولأَنّ آذار موسومٌ بـــ”شهر الـمرأَة”، نُعاين كل سنةٍ تحرُّكاتٍ مكتوبةً أَو شفويةً أَو بأَشكال أُخرى تُعيد الكلام إياه والـمطالب إياها والتساؤلات إِياها، ومع انقضاء الشهر تنطوي جميعها إِلاَّ الأَقلّ بـما يَصدر من أَصواتٍ مفردة لبعض متابعة.
غير أَنّ الـمتابعةَ لا يمكن أن تبلغ أهدافها إلاّ بِبُلوغها نصوص القوانين فتصبح نافذةً ويمسي تطبيقها تلقائياً بدون مِنَّةٍ من خاطر الرجل ولا إرضاءٍ لِـخاطر المرأة. فالحق لا يُعطى منَّةً ولا يُـمنحُ إِرضاءً.
بعضُ هذا الحق أن تنال الـمرأَة، بالقانون النابع من حقها، نسبتَها الوفية من الكوتا في جميع القطاعات، وفي إجازات الأُمومة، وفي نيلها الجنسية ومنحها، وفي مستحقات الحضانة، وفي تحصينها من العنف، وفي حضورها الـمُلْزِمِ احترامَ حقوقِها كما هي تلتزم تأْدية واجباتها، وفي إزالة الفوارق الجندرية بين الرجل والـمرأة فلا يلحق بـها أَيُّ غُبنٍ من الرجل أياً يكن وأنى يكن ومهما يكن.
المجتمعُ السليم تنظّمه قوانين وتنسّقه دساتير وتحصّنه سُنَنٌ وتسوسُه نُظُمٌ، فلا يجوز أن يكون المجتمع بطريركياً في التشريع والتقريع والتسريع، ولا يجوز أن تظل المرأة تحت رحمة الرجل يَمنحها أو يَجود لها أو يَسخى عليها بحقوقٍ هي في أُسّ كيانها الحي.
هذه هي الجندرةُ التي، منذ أَطلقتها الحركاتُ النسائية في العالم مع سبعينات القرن الماضي، حرّرت الكثير من النِظرة إلى المرأة بالتفريق سوسيولوجياً بين الجنس والنوع: الجنس بطبيعته الفيزيولوجية البيولوجية، والنوع بخصائصه الاجتماعية والثقافية والسيكولوجية والعقلية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية، فبات التوجُّهُ أوضحَ إلى عقل المرأة لا إلى جنسها، وإلى كيان المرأة لا إلى جسدها.
وهذا ما يميز العصر الحاضر في النظرة إلى دور المرأة مساوياً دورَ الرجل في وظائف ومهامّ مسؤوليات لم تَعُد قصراً على الجنس بل على الطاقة الخلاَّقة التي تفرِّق بين الجنس والجنس الآخر، فلم يَعُد تقْنياً ما هو قصرٌ على الرجل دون المرأة أو العكس، ومن هنا، في منطق الجندرة، ظهورُ التعادُل والتبادُل في الأدوار بين الرجل والمرأة، وهو ما ليس ممكناً في منطق الجنس البيولوجي.
ومع كون الجندرة تتفاوت في تطبيقها وفق خصوصية كل مجتمع، نعاينُ المجتمعات العربية آخذةً بالتطور الجندريّ في نِسَبٍ متفاوتة بين أَحدها والآخر، ومع التسارع الحاصل في المتغيرات السياسية لكل مجتمع عربي.
وهذا ما أَشار إليه تقرير البنك الدولي الذي أذاعه الأربعاء الماضي “مركز كارنيغي للسلام الدولي” في بيروت بعنوان “فتْحُ الأَبواب أَمام مساواة الجنسين والتنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” وفيه أن “هذه المنطقة خَطَت خطوات لافتة في العقود الأربعة الماضية لسدّ الثُغرة بين الجنسين خصوصاً في مجالـَي التعليم والصحة، لكن الاستثمارات في رأس المال البشري لم تواكبها بعدُ مشاركةُ المرأة في مجالَي الاقتصاد والسياسة لأن دخول النساء سوق العمل ما زال عند نصف المعدل العالمي الإجمالي”.
وورد في التقرير بوضوحٍ أنّ “التغَيُّرَ الذي تشهده المنطقة العربية على المستوى السياسي ينعكس تحوُّلاً جلياً في حضور المرأة، خصوصاً في مخاض الأحداث التي تخُضُّ المنطقة العربية منذ سنتين وتتيحُ فرصاً واضحةً لإحراز تقدُّمٍ في مجال المساواة بين الجنسين”.
بهذا المنطق العقلاني الواسع يجب النظر إلى حقوق المرأة، لا باستعادة الكليشِيَات إياها كلّ آذار في يومها العالمي ولا في عيد الأُم ولا في أول الربيع، بل فليكن كلُّ يومٍ يومَها حتى “تَتَجَنْدَرَ” حقوقُها مكتوبةً في الدساتير والقوانين والأَعراف، وهو أَقلُّ ما تستحقُّه هذه التي لا نورَ بدون عينَيها، ولا حبَّ بدون قلبها، ولا حنانَ بدون حُنُوِّها الذي بغمرةٍ واحدةٍ يختصرُ كلّ دِفْءِ الحياة.