هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1089: عَلامَ التّباعُد طالما المُنطلقُ واحد؟

الحلقة 1089: عَلامَ التَّباعُد طالما الـمُنطَلَقُ واحد؟
الأربعاء 5 آذار 2013

بين مسؤولٍ يصرّح أَنَّ “الأَمن الآن هو الأَولويّة لأَنّ الوضع الأَمني مُقْلق، ولأَنّ الفتنة تُطلُّ برأْسها المتفجِّر من كل مكان”، ومسؤولٍ آخر ينادي بأَنْ “يأْخذَ المسؤولون الحيطة والحذَر من اغتيالاتٍ تترصَّدُهم”، وبين مسؤولٍ ينادي بقانون انتخابٍ طائفي ومسؤولٍ ينادي بقانون انتخابٍ عَلماني مختلط بين نسبيّ وأَكثريّ، ضاعت أَكثريةُ المواطنين بين تصاريح المسؤولين وتنظير المنظّرين وصراخ المعتصمين وصياح المضربين وتخويف المتشائمين وخطاب المذهبيِّين، حتى لَتبدو البلادُ على فوهة بُركانٍ يـَخشى البعضُ أَن يَفْغَرَ فاه على حربٍ أَهلية تنتظر شرارةً أُولى قد تكون “بوسطة عين الرمانة” جديدةً في موديلٍ عصري. وفي كل هذه المعمعة من التصاريح يغلُب طابعٌ دينيٌّ مذهبيٌّ يجعل رجالَ الدين يتصدَّرون الأَخبار ويُصْدِرون الفتاوى ويستصدرون الآراء، وكلٌّ يدَّعي الله بِـجانبِه ويُـجيِّش له وباسمه طلائعَ محاربين ومقاتلين وأَنصاراً تـختلف تسمياتهم باختلاف المدّعين.
وفيما يبدو التباعُدُ نِزاعياً بين مُدَّعي الله في جانبهم دون الآخرين (حتى لكأَنّ تمثال أَبي العلاء، ولو مقطوعَ الرأس، يردِّد قول صاحبه: “كُلٌّ يُعَظِّم دينه… يا ليتَ شِعري ما الصحيحْ؟”) وطالما أَنّ الدين بات هو المعيار والمسار والمسيار، فلماذا لا يعودُ هؤلاء جميعُهم إلى تعاليمَ دينيةٍ توحِّد بينهم وتردعهم عن التباعد لأن جوهرها توحيدُ الديانات؟ هذه التعاليم هي “الوصايا العشر”: نادى بها موسى، وتبنّاها المسيح، وجاءت في القرآن الكريم، وفي ذِكْرها ثَلاثاً دعواتٌ واضحةٌ وصريحةٌ إلى علاقة الإِنسان بالخالق وعلاقة الإنسان بالإنسان.
هوذا موسى يقول: “أَنا هو الرَّبُّ إِلهُك لا يَكُنْ لكَ إِلهٌ غيري”، وجاء في المسيحية: “نؤْمن بإلهٍ واحدٍ آبٍ ضابطٍ الكُلَّ خالقِ السماء والأَرض”، وجاء في الإسلام من سورة محمد: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه”. إذاً فَعَلامَ التَّباعُد طالما الـمُنطَلَقُ واحد؟
وهوذا موسى يقول: “أَكرِمْ أَباك وأُمَّك”، وجاء في المسيحية من إنجيل مرقس: “من لَعَنَ أَباه وأُمّه، فلْيَمُتْ موتاً”، وجاء في الإسلام من سورة الإسراء: “وبالوالدَين إِحسانا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا”. إذاً فَعَلامَ التَّباعُد طالما الـمُنطَلَقُ واحد؟
وهوذا موسى يقول: “لا تحلِفْ باسم الله باطلاً”، وجاء في أَقوال المسيح: “كلُّ ما تأْتونه على الأَرض يراه أَبي الذي في السماء”، وجاء في الإسلام من سورة البقرة: “وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم”. إذاً فَعَلامَ التَّباعُد طالما الـمُنطَلَقُ واحد؟
وهوذا موسى يقول: “لا تَشْتَهِ امرأَة قريبك ولا مقتنى غيرك”، وجاء في المسيحية من القديس أُغسطينس: “يقول الناموس: “لا تشته” حتى إذا سقطنا في هذه الحالة المرضية نطلب العلاج، فنعرف في أَيّ اتجاه نهدف بجهادنا”، وجاء في الإسلام من سورة طه: “وَلَا تَـمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى”. إذاً فَعَلامَ التَّباعُد طالما الـمُنطَلَقُ واحد؟
هذه بعض الوصايا العشر، لا يتَّسع المجال لتعدادها جميعاً ومقارنةِ ما بينها من مُشْتَرَكٍ في الديانات السماوية معاً. إذاً فَعَلامَ التَّباعُد طالما الـمُنطَلَقُ واحد؟ وطالما المحور هذه الأَيام هو الدِّين، والساحةُ السياسية محتقنةٌ بالدِّين قبل السياسة، والآراء منطلَقٌ واحدٌ هو الدِّينُ ومذاهبُه الآيِلةُ جميعها صوبَ الإِله الواحد الرحمن الرحيم، والبلادُ في أَجواءِ تَوَتُّرٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واجتماعيٍّ وحتى دينيٍّ مذهبيٍّ، وكلُّ فريقٍ يبشِّر بِقِيَمِهِ وروحانيَّة إِلهِهِ، وإِلهُهُم كلِّهم واحدٌ، فأَحرى بهم جميعِهم أَن يَعودوا إلى أُصولهم ينهَلُون عنها الوصايا العشر: من العهد القديم إلى العهد الجديد إلى القرآن الكريم، يتفحَّصُونها ويعملون بِـموجَبِها، وصايا صالحةً للعهد الحديث.
وربما تكون صالحةً كذلك لقانونٍ انتخابـيٍّ موحَّدٍ يُنقِذ البلادَ من هذا التَّشَرذُم ومن جميع هؤلاء الـمُشَرذِمِين.