هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

782: هذا التمييز القاتل

هذا التميـيـزُ القاتل
السبت 23 شباط 2013
-782-

تنشغل الأَوساطُ القضائيةُ والتربويةُ في فرنسا هذه الأَيام بحادثة انتحار ماتِّيو ابنِ الثلاثة عشر عاماً، شنقاً بحبلٍ في غرفته، يائساً من هُزء رفاقه وصفْعهم إياه سخريةً منه لأَنه أَصهب (“أَبرص” بالتعبير الشعبي). ومع أَن والده نبّه إدارة المدرسة إلى ما يعانيه ولده بين رفاقه منذ سنتين لم تحزم الإدارة في إجراءاتها فرفع عليها والداه “دعوى عدم احتراز أَدّى إلى انتحاره”.
ولأَن رقم الوفيات انتحاراً هو ثاني أَعلى رقمٍ حُدوثاً في فرنسا بعد حوادث السير، وافقت وزيرةُ الصحة الفرنسيةُ ماريزول تورين على اقتراح “المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي” بإنشاء “المرصد الوطني لـحوادث الانتحار” مهمته التشدُّد في الوقاية الاستباقية من حوادث الانتحار. وأشارت الـ”نوفيل أُوبسرﭬاتور” إلى أَنّ الأَمر اتّخذ في فرنسا أَهمية إِجرائية فورية لدى الأَوساط الحكومية والسياسية درءاً لخطر انتحار الشبّان ومراقبة مسبّباتٍ شخصية فردية أَو آخرينية غيرية تودي بهم إلى الانتحار.
الظاهرة جِدّية واستاهلَت من الحكومة الفرنسية تدابيرَ المتابَعة وتهيئةَ الاستباقيّ منها، لـما فيها من تمييز عنصري لا بين سُود وبيض (كما المأْلوف) بل بين بيضٍ وبيضٍ بسبب لون الشّعر الأَصهب.
خطيرةٌ ظاهرة التمييز من كل نوعٍ، تعصف بالشبيبة اليوم في المدارس والمجتمعات على جميع المستويات.
أَكْتُبُ هذا وأُفكِّر في مدارسنا والشبيبة عندنا، تلامذةً وطلاَّباً، مُشْبَعين لا بالتمييز العنصريّ بل بِـــ”تـَمْييزات” أُخرى لا تقلّ خطراً، منها الطائفيّ ومنها الحزبيّ ومنها العقائديّ ومنها الدينيّ ومنها المناطقيّ، ناقلين إِلى صفوفهم وملاعبهم ﭬـيروسات أَهاليهم المتلاطمين بهذه الـ”تـمييزات” يعبِّرون عنها في البيوت والمجالس على مَسمع أَولادهم الذين يتلقَّفونها ويزاولونها في مدارسهم وحلَقاتهم المدرسية أَو الجامعية، وربما تتطوّر إلى صدامات بينهم قد تنتهي مأْساوية.
هذا الجوُّ السياسيُّ الموبوء في البيوت والمدارس ومن شاشات التلـﭭـزيون على مرأَى ومسمع من الأَولاد، يُعيق بناء شخصيةِ أَجيالنا الجديدة التي لا يكفي أَن تتخرَّج بشهاداتٍ علمية بل يُعادلها اهتماماً بناءُ شخصيّتهم الـمُواطنية على قَبول الآخر وفَهم الآخر والتعاطي مع الآخَر في حوارٍ لا في صِدام، وفي اقتبالٍ لا في مُواجهة، وهو ما ليست الدولةُ، لانشغالاتها، قادرةً على بثِّه في صفوف جيلنا الجديد، فالأَحرى بمدارسنا وجامعاتنا أَن تتولاَّه، توازياً مع الكتاب والمعلِّم، بتنشئةٍ تجعل شبابنا وصبايانا غداً مجتمعاً متصالحاً غيرَ موبوءٍ بِـمُجرياتٍ “تَـمييزيّـة” يعايِنونها لدى أَهاليهم ويزاولونها مع رفاقهم في مسلكٍ لا يقلُّ خطورةً على لبنان عن أَيّ خطرٍ أَمني أَو سياسيّ يعيش اليوم في هاجسِهِ لبنان.