هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حرف من كتاب- الحلقة 104
“لبنان بقلم مفكـّـري الندوة”- مجموعة باحثين
الأَحـد 17 شباط 2013

في سلسلة “أُنتولوجيا” التي تُصدرها جامعة الروح القدس- الكسليك عن منشورات “مركز فينيكس للدراسات اللبنانية” صدر الجزء الخامس بعنوان “لبنان بقلم مفكّري الندوة” من إعداد أَمين الياس في 128 صفحة قطعاً صغيراً، وهو أُضمومةُ أَربع محاضرات من منبر “الندوة اللبنانية” جميعُها تصبُّ في اتجاه واحد: الهوية اللبنانية. وذلك كان شغل ميشال أَسمر في تأْسيسه “الندوة اللبنانية” سنة 1946 واستضافتِهِ إلى منبرها عشرات المحاضرين، لبنانيين وأَجانب، لاستطلاع الجذور الفكرية والتاريخية والحضارية لهذا الوطن الذي ضآلتُهُ الجغرافية والديموغرافية لَـم تؤثّر على وساعته الإِبداعية والحضارية في الشرق والعالم.
1) محاضرة ميشال أَسمر أَلقاها سنة 1958 بعنوان: “لبنان واجب الوجود” ينطلق فيها من مقولته “لبنان واجبُ الوجود، يتحتَّم خلقه لو لم يكن موجوداً. أَما وأَنه موجودٌ فعلى أَبنائه مسيحيين ومسلمين أَن يعملوا للحفاظ عليه: متطوِّراً في ديمومته، حياً في رسالته التي لا تبلغُ وجهَها الأَكمل إِلاّ إِذا عاش أَبناؤُه مسيحيَّتَهم الحقّ وإِسلامهم الحقّ، بـفصل إِيمانهم الديني عن شؤُونهم الزمنية فيطبِّقون في تعاطيهم الشؤونَ الزمنية ما منحهم دينهُم من مزايا الصدق والإِخلاص والإِلفة والمحبة”. ويختم ميشال أَسمر بأَن هذه هي “الخطوط الرئيسية للرسالة اللبنانية التي علينا أَن نضطلع بها لازدهار لبنان وخير أَبنائه جميعاً”.
2) محاضرة ميشال شيحا أَلقاها سنة 1942بعنوان “لبنان على مَـرّ التاريخ”، مطلعُها: “لبنانُ اليوم، هذا الشيخُ الذي جاوزَت سنُّهُ الخمسةَ آلاف، لا يزال في ريعان شبابه، حتى ليصدق فيه مطلع مأْساة “أُوديپ الملك” لسوفوكل: “أَبناءَ قدموس الشيخ، يا ذَرّيَّةً فتيَّة”. وفي المحاضرة ينبّه ميشال شيحا: “إِن ما أُوتِيناه من وضْع جغرافيّ تَتَنَاوبُه المحاسد والمخاطر لا يتيح لنا أَن نأْمل بأَفضلَ من استقرارٍ يُناطُ دوامُه بما لنا من صلابةِ نفسٍ وإِرادةٍ وفعاليةِ ذكاء. فنحنُ محتومٌ علينا، من أَوّل تاريخنا، أَن نعيشَ في الخطر وأَن نحتبسَ السيل من أَنّى أَتى أَو نُقَنِّي له إِذا شئنا أَلا يجرُفَنا السَّيل”. ويضيف ميشال شيحا: “زهيداً يبدو لبنانُنا على الخارطة، لكنّ موقعَنا عند ملتقى ثلاث قارّات يجعلُنا رأْس جسر ولا أَميز، حتى نكادَ نكونُ للعالم أَحدَ أَندر مراصده… نحن المكان الذي يتمنّاه البشر، فيه تتصافح المدنيّات، والمعتقداتُ فيه واللغاتُ والطقوسُ تتبادل أَسمى الاحترام”.
3) محاضرة تقي الدين الصلح أَلقاها سنة1954بعنوان “النداء القوميّ عقيدةٌ ونضال” وفيها أَنّ “تَخَلّي لبنان عن رسالته الثقافية يعني زوالَ مبرِّرٍ أَساسيٍّ من مبرِّرات وجوده”. ويكمل الصلحيُّ الـمُتنوِّر: “حفِظَ الله لبنانَ منبراً وطليعةً ومناراً وجيلاً بعد جيلٍ تتفتَّحُ عيونه على صفحةٍ من التاريخ تُطوى وصفحةٍ تُنْشَر، فأَبناؤُه أَشبهُ بالمتصوّفين، مجاهدين ساهرين، لا يفرِّق بينهم رنينُ أَجراس ولا أَذان مؤَذّنين، يجمعهم النداء في معبد هذا الوطن الهيكل الذي وسَّعَ لكلّ المعابد واحتواها: أَرضُه السمحاءُ احتضَنَت الجوامع والكنائس على السواء، وقُبَّتُه الزرقاءُ أَظلَّت قِبَبَهُ الجميلةَ الشمّاء”.
* 4) محاضرة الأَب أنطوان موراني (المطران لاحقاً) أَلقاها سنة 1961بعنوان: “إِن لم يُولَد لبنانُ من فوق”، وفيها أَنّ “الوجدان اللبناني يعاني من مشكلةٍ واحدةٍ هي مشكلةُ وجوده التاريخي”. ويخلص إِلى أَنّ “الخطأَ في بقائنا منكمشين ضمن الحدود الفردية والسياسية والطائفية وفي موتنا ضمن هذه الحدود، فيما رسالتُنا أَن نولدَ في حدودٍ أَوسع هي حدودُ حرية واعية لا تخاف نظَرَ الغَير، حدودُ تاريخٍ يَسير إِلى الأَمام بِـتَـهَـيْـكُلٍ مستمـرٍّ فيه كمالُ كلّ حريةٍ وكلّ تاريخ”.
كتاب “لبنان بقلم مفكّري الندوة”، على صِغَر حجمه وكِبَر مضمونه، يكتنزُ مبادئَ للبنانَ أَمسِ واليومَ وكلَّ يوم، على شعب لبنان أَن يعيها فيعرفَ أَيَّ وطنٍ وطنُهُ، ويدركُ أَنه ينتسبُ إلى منارةٍ ضئيلةِ المِساحة على الأَرض لكنَّ نورَها الطالعَ من عقلِها الطليعيّ يَشُعُّ على العالم فِكراً وحضارةً ومُبدعين خَلاَّقين على مساحة العالم.