هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1086: لبنان أرضُ الإنسان

الحلقة 1086: لبنان أَرضُ الإنسان
الأربعاء 13 شباط 2013

الضجةُ التي ولَّدتْها تصاريح وزيرة الإِسكان الفرنسية سيسيل دوفلو (Duflot) لم تهدأْ بعدُ منذ أَطلقَت النداء عاجلاً لإيجاد مَآوى تَقِي الناسَ الْبِلا بيوتٍ ولا سكَن، الـمُشرَّدين في الـمَنائي وعلى الطرقات، وفي أَمكنةٍ مُعيبة لا تليقُ بالبلد الذي شِعارُه: “الحرية، الْـمُساواة، الأُخوَّة” (Liberté, Égalité, Fraternité). وَعدَّدَت في ندائها أَماكنَ خاليةً يمكن الدولة استعمالها لأَن من العيب عليها إِبقاءَها فارغةً وفي الشوارع مشرَّدونَ بلا مآوى، عائلاتٍ وأَفراداً.
وفي تصريحها لــ”لو ﭘــوان” شدَّدت على ضرورة أَن تلتفتَ الدولة إِلى هؤلاء الْـبِلا مأْوى فتُدبّرَهم في أَبنيةٍ لـمَصارف تركتْها، أَو شركاتٍ أَخْلَتْها، أَو مبانٍ حكومية لـم تَعُد مستعمَلَة، أَو ثكناتٍ مهجورة، أَو مستشفياتٍ انتقلت إلى أَبنيةٍ لها جديدة. وجَرُؤَت الوزيرة أَكثر فطالبَت مطرانية ﭘـاريس بأَن تأْوي الْـبِلا مأْوى في مدارسَ أَو مؤسساتٍ دينيةٍ تابعةٍ لها ولو مُوَقَّتاً حتى ينقضي الشتاء.
هذه التدابيرُ المرفوعةُ في فرنسا بصوت وزيرة الإسكان قابَلَتْها في الولايات المتحدة تدابيرُ شبيهةٌ من أَعضاءَ في مجلس الشيوخ، جمهوريين وديمقراطيين معاً، نقلَت عنهم الـ”أَسوشياتد ﭘْـرِس” مطالبتهم بإِعادة النظر في قانون الهجرة الأَميركي، لِــشَرْعَنَة أَوضاع 11 مليون شخص على أَراضي البلاد دخلُوها بصورة غير شرعية، ويَعْملون فيها بصورة غير شرعية، لا إِجازة عمل معهم، ولا يدفعون الضرائب، ولا يُصرّحون عن مداخيلهم، ولا تملك الدولة أَن تطرُدَهم من أَراضيها. وهذه مشكلةٌ إِيوائيةٌ وإِنسانيةٌ تواجهها الولايات المتحدة منذ زمنٍ طويل، دفعَت الرئيس الأَميركي أُوباما، في مطلع ولايته الثانية، إِلى إِثارة هذا الموضوع، وحَثّ المعنيين به على إيجاد حلولٍ مؤاتيةٍ تمنح السكان اللاشرعيين حقَّ الحصول على “بطاقة إِقامةٍ دائمة” (Green Card) لا تُـخَوّلهم الحصول على الجنسية إنما تتيح للأَميركيين أَن يفتحوا لهم فرص العمل بصورة شرعية. وفي الكونغرس اليوم مشروع قانون يُعطي الأَولوية بين اللاشرعيين لـمَن يحْملون شهاداتٍ جامعيةً في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا والهندستَين المعمارية والإِلكترونية، إِذا كانوا متخرّجين من جامعات أَميركية.
لِـمَ إثارةُ هذا الموضوع اليوم؟
لأَننا اليوم في لبنان نواجِهُ حالةً شبيهةً مع نازحين ومُهَجَّرين ولاجئين يُواجهون مصيراً أَسودَ في ظُروف إِيوائهم ومآواهم، وكنا عرفنا، طَوَال الحروب الـمُتـتـالية عندنا، تَشريداً في صفوف أَهالينا وتهجيراً وهجراتٍ ومآسي سكنيةً وإيوائية.
إِن الدولة التي تحترم حقوقَ مواطنيها – وَلَهُم طبعاً أَولوية الاهتمام – تُولي كذلك النازحين عَلى أَرضها اهتماماً إِنسانياً، بوسائلها الخاصة أَو بالاستعانة الخارجية، وفي الحالتين تُسَجِّل لِـمصداقيَّتها وحُسْن تدبيرها عمَلاً تاريخياً لا يقلّ أَهميةً عن نداء وزيرة الإِسكان الفرنسية، ولا عن نداء أَعضاء مجلس الشيوخ الأَميركي، لأَنّ الـمُواطنةَ الحقيقيةَ هي في المأْوى الذي يَتَقَاسَمُهُ الناس على أَرضٍ تتشرَّف دوماً بأَنها أَرضُ الإنسان، قبل أَن تكونَ أَرضَ السهول والوديان، والجبال والشُّطآن وغابات الـمَلُّول والعفص والسنديان.